مجلة العودة

لماذا الديموغرافيا بعد أنابوليس وقبل زيارة بوش ورايس؟

لماذا الديموغرافيا بعد أنابوليس وقبل زيارة بوش ورايس؟

يوسف كامل إبراهيم/ غزة

لم تكن الانتفاضة الفلسطينية الحالية التي أطلق عليها الفلسطينيون انتفاضة الأقصى، الوجه النضالي والكفاحي للشعب الفلسطيني فقط من أجل التخلص من براثن الاحتلال، ولم يقتصر تأثير الانتفاضة على الاقتصاد والأمن الإسرائيلي، إنما انعكست تأثيرات الانتفاضة على أخطر القضايا الاجتماعية في المجتمع الإسرائيلي، وهو ما أطلق عليه معركة الديموغرافيا بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

ليس غريباً أن يظهر الاهتمام الواسع بالموضوع الديموغرافي في الوقت الذي يحتفل فيه الشعب الفلسطيني بذكرى الانتفاضة الأولى التي أثرت في الموضوع الديموغرافي بشكل كبير، ما جعل «إسرائيل» تعدّ العدة للتعامل مع هذا الخطر على الدولة، كما أن الاهتمام بالموضوع الديموغرافي على هذا المستوى جاء بعد انعقاد مؤتمر أنابوليس الذي طرحت فيه قضية الدولة اليهودية، كما يأتي طرح هذا الموضوع قبل زيارة بوش ورايس للمنطقة، وكأن الأمر مقصود لكي ينعكس هذا الموضوع على طاولة المفاوضات التي قد تنطلق مع زيارة رايس القادمة.

فقد أعلنت مصادر إسرائيلية مسؤولة أن الحكومة الإسرائيلية درست في جلستها الأخيرة خطة لمحاولة إعادة مئات الآلاف من الإسرائيليين الذين غادروا «إسرائيل» وسط ارتفاع القلق الإسرائيلي من الخطر الديموغرافي الذي يواجه دولة الاحتلال بسبب زيادة معدلات الولادة بالنسبة إلى الفلسطينيين وانخفاض مثيلتها لدى اليهود.

من أجل ذلك جندت «إسرائيل» مراكز الأبحاث الأكاديمية في الحملة التحريضية على فلسطينيي 1948 وقادتهم. فحذر البروفيسور الإسرائيلي أرنون سوفير، رئيس مركز أبحاث الأمن القومي في جامعة حيفا من المخاطر الكامنة في التكاثر الطبيعي للفلسطينيين على طرفي الخط الأخضر.

ونقلت صحيفة «الشرق الأوسط» عن الإذاعة الإسرائيلية أن دراسة أجريت لوزارة الاستيعاب الإسرائيلية تبين منها أن سبعمئة ألف إسرائيلي يعيشون خارج «إسرائيل»، ويرفضون العودة إليها، وأن نسبة كبيرة منهم يمرّون في عملية تحول عن اليهودية.

وحسب الدراسة، فإن ربع الشباب الإسرائيلي الذي يعيش في أوروبا يتزوجون من غير اليهوديات، في حين أن 60% منهم لم ينضموا للجاليات اليهودية هناك ولا يعملون في إطارها، وأشارت الدراسة إلى أن 60% من الإسرائيليين يعيشون في أمريكا الشمالية، فيما تتوزع النسبة الباقية على أوروبا وأستراليا.

وجاء في بحث أعده مركز يرأسه أرنون سوفير (الخبير الديموغرافي) أن التكاثر الديموغرافي (العربي) في «إسرائيل» والمنطقة يعتبر الأكبر في العالم، قياساً إلى أوروبا، ويشير البحث إلى أن نسبة الفلسطينيين داخل «إسرائيل» وسائر المناطق الفلسطينية المحتلة ستصل إلى 58% عام 2030، ويبلغ عدد فلسطينيي الداخل 1.3 مليون نسمة بمن فيهم سكان القدس المحتلة، وسيصل العدد إلى 2.7 مليون بعد عشرين عاماً، يضاف إليهم 5.8 ملايين فلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة.

وقام وزير الهجرة والاستيعاب الإسرائيلي رافي أدري بعرض المشكلة على الحكومة الإسرائيلية في جلستها الأسبوعية. وقدم مشروعاً لحل المشكلة يقضي بتخصيص مبلغ 150 مليون شيكل (37 مليون دولار) لتمويل حملة دعائية لإقناع هؤلاء الإسرائيليين، وخصوصاً الشباب وأسرهم بالعودة إلى «إسرائيل».

وتكتسب هذه المعطيات أهمية كبيرة بسبب زيادة معدلات الولادة بالنسبة إلى الفلسطينيين وانخفاض مثيلتها لدى اليهود، إلى جانب انخفاض معدلات الهجرة إلى «إسرائيل»، حيث إنه خلال عام 2007 زادت نسبة الهجرة العكسية من «إسرائيل» على الهجرة إليها، بسبب تحسن الأوضاع الاقتصادية في كل من روسيا والأرجنتين، وهما البلدان اللذان كانا يمثلان مصدر الهجرة الرئيسي إلى «إسرائيل» في السنوات الخمس الماضية، إلى جانب الخوف من تدهور الأوضاع الأمنية والاقتصادية.

يذكر أن دراسة أجريت قبل عامين دلت على أن 70% من الإسرائيليين يقرون بأنهم سيكونون سعداء لو استطاع أبناؤهم الحصول على جنسية أجنبية.

من الواضح أن هذا الاهتمام بالقضية الديموغرافية وطرحها على أعلى المستويات لتقوم الحكومة بمعالجته ووضع الحلول لها ما هو إلا مقدمة لتسخين هذا الموضوع قبل وصول رايس وبوش إلى المنطقة، حتى يتم طرح قضية الدولة اليهودية وموضوع تبادل السكان والأراضي على بساط البحث من خلال زاوية أن «إسرائيل» تعيش أزمة ديموغرافية، وبالتالي لا بدّ من بدء التفاوض من خلال هذه الزاوية. وأصبح هناك مبررات لطرح قضية تبادل السكان والأرض وكذلك يهودية الدولة.♦