مجلة العودة

حال كارثية في ذكرى النكبة

حال كارثية في ذكرى النكبة

 


ماهر شاويش

 


تتواصل الأسئلة الملحّة على الواقع السياسي الفلسطيني والوضع الاستراتيجي العام للقضية، فنلحظها في الذكرى السنوية للنكبة، وخاصّة بعد التطوّرات السياسية الدرامية التي تُلقي بظلالها على المشهد بتفاعلاته الفلسطينية والعربية والإسلامية والدولية.

فلا تزال المصالحة الفلسطينية تراوح مكانها، لا بل من الممكن أن تتراجع خطوات إلى الوراء بعد غزل الرئيس الفلسطيني بالتنسيق الأمني مع الاحتلال، وهو الذي طالما كرّر مسرحية الانسحاب من السياسة الرسمية وهزليته، بعد أن أعلن خيبة أمله من الإدارة الأميركية الجديدة، التي لم تلبِّ ما وعدته به من تجميد للاستيطان اليهودي على أقل تقدير. وبعد أن أصبحت «إسرائيل ـ نتنياهو» سافرة بلا قناع، مُجمِعة على مواصلة، ليس فقط أنشطة الاستيطان والتهويد وشطب القضية الفلسطينية، بل والحروب المفتوحة على أنواعها ضدّ شعبنا في مختلف الأماكن الفلسطينية. ومن المرجّح أن تستمرّ هذه الحال على مدى السنة الجارية، وربما حتى نهاية ولاية حكومة نتنياهو كاملة. بل قد تكون مساحة الحقائق ـ التحدِّيات الماثلة في المشهد الفلسطيني لا حصر لها، وهي متكاثرة يوماً بعد يوم.

أمّا العرب فينشغلون بقضاياهم المحلية، وتتراجع القضية الفلسطينية لتبتعد عن صدارة أجندة أولوياتهم مع مؤتمر هنا وندوة هناك تتبعها تصريحات خجولة لا ترقى إلى حجم فلسطين ودورها ومركزيّتها.

ويستمرّ مسلسل تهويد القدس ويُدنّس الأقصى كلّ أسبوع. وتأتي الإجابة بفتاوى غير شرعية تلحقها زيارات مشبوهة من «علماء مسلمين» بالتنسيق مع أجهزة الاحتلال.

يجري ذلك كله بينما يبدو المشهد الصهيوني غير مكترث بشريك سلامه المفترض، وليس وارداً في استراتيجيات الدولة الصهيونية أيّ اعتبار واحترام لأي تفاهم مع السلطة الفلسطينية، أو التزام لأي اتفاق معها. وواقع الحال أنّ الأراضي المفترض أن تقوم عليها دويلة فلسطينية تواجه منذ بداية عهد نتنياهو، اجتياحاً صهيونياً تجريفياً استيطانياً لعلّه يكون الأخطر منذ النكبة الأولى.

وفي المقابل تتعاظم الأزمة الأخلاقية لما يسمى المجتمع الدولي، فيُمنَع متضامنون وناشطون من دخول فلسطين، ويُعتقل بعضهم في مطارات بلدانهم، ومن يصل وتطأ قدماه الأرض الفلسطينية يُضرَب بأعقاب البنادق بيد صهيونية حاقدة متغطرسة. إنها مشاهد يندى لها جبين الإنسانية جمعاء، من دون أن تلقى تعليقاً أو تنديداً من حكومات تنتصر لرعاياها، رغم وفرة شعارات حقوق الإنسان.

واقع مستحكم من حولنا يفرض التساؤل: هل هناك أصعب من انحدار كهذا؟! لذلك، نعتقد بقناعة راسخة أنّ على الكلّ الفلسطيني، أن يتدارك هذه الملابسات الكارثية؛ فهو أوان لملمة الجرا  ح وإعادة صياغة أولوياتنا الوطنية. لا مفرّ من الاقتناع بأنّ «الوحدة الوطنية الفلسطينية» و«القيادة الجماعية»، هي المخرج، وهي البديل المُلِحّ والعاجل لهذا المشهد الذي يغمرنا في ذكرنا النكبة.

ينبغي العمل على أن تتحوّل القضية الفلسطينية من شأن محلِّيّ فلسطيني إلى قضية مركزية ذات بعد عربي إسلامي إنساني، وأن تسخّر كافة الطاقات وتصطفّ باتجاه إنهاء الاحتلال وتطهير الأرض من مغتصبيها. يستدعي هذا وضع استراتيجيات عملية، ويتطلّب جملة من الاستعدادات والتضحيات الفاعلة بعيداً عن الانفعالات اللحظية.

بكلمة؛ إنّه أوان استنهاض الحال الفلسطينية المأزومة، واستجماع الطاقات، والدفع بها في الاتجاه الصحيح. وليس هذا بالمستحيل. فمن يفعل؟! ♦