مجلة العودة

القضية الفلسطينية حاضرة في وجداني ووعيي وليد سيف: حلم اللاجئ بالعودة

 القضية الفلسطينية حاضرة في وجداني ووعيي

 وليد سيف: حلم اللاجئ بالعودة يدفع بي

 لكتابة «التغريبة الفلسطينية» في جزئها الثاني

 تامر الصمادي/ عمّان

 

الدكتور وليد سيف، كاتب درامي من الطراز الرفيع، كتب عدة مسلسلات تاريخية لاقت إقبالاً جماهيرياً عربياً منقطع النظير، كان منها (صلاح الدين الأيوبي، صقر قريش، ربيع قرطبة، وملوك الطوائف..).

آمن الدكتور الكاتب والشاعر بأن الكتابة قيد، وأن الكلمة أقوى من ألف سيف، فأخذ عهداً على نفسه أن يوثق عذابات الشعب الفلسطيني ويؤصل لمأساته، من خلال مسلسل درامي ضخم يحفظ التاريخ لقضية العرب والمسلمين الأولى، فكانت «التغريبة الفلسطينية».

يقول الكاتب في حديث للعودة: «فكرة كتابة التغريبة الفلسطينية بدأت قديماً، فالقضية الفلسطينية حاضرة في وجداني ووعيي، كما أنها في المقابل تمثل مصدراً لا ينضب للمعالجات الدرامية الإنسانية، فإذا كان اليهود في العالم يعيدون كتابة المحرقة النازية في كل حين من خلال الأعمال الفنية بأشكالها المختلفة، فنحن أَولى بإعادة إنتاج القضية الفلسطينية من خلال عمل درامي يوثق ويؤرخ لنكبتها..».

ويضيف: «تفتًّح وعيي على مشاهد المخيم والمأساة الإنسانية التي عاشها اللاجئ، لذلك كان مختزلاً في ذاكرتي ووعيي الآلاف من قصص المأساة المؤلمة التي كان يعيشها أهلي، الصور التي كانت في مخيلتي دفعتني لكتابة العمل منذ أوائل الثمانينيات..».

سنوات طويلة قضاها الكاتب الفلسطيني ابن طولكرم في البحث والدراسة والمقابلات الشخصية لإنجاز العمل على أكمل وجه، فكانت كتابته «نتاجاً لبحث طويل في المدونات والوثائق المكتوبة، كما كانت أيضاً استبطاناً للذاكرة ولشهادات وتجارب الناس الذين ارتبطت حياتهم بالمخيم».

مسلسل «التغريبة الفلسطينية» كما يقول سيف «ملحمة درامية تاريخية روت قصة الجرح الفلسطيني الممتد على مساحة الوجدان العربي والإنساني، وذلك من خلال رصد حياة أسرة فلسطينية ريفية تتقلّب بين مختلف الملاحم منذ الثلاثينيات من القرن الماضي وحتى نهاية الستينيات، حيث يصور هذا العمل كفاح الأسرة على أرضها ضد الفقر والحرمان وتسلط الزعامات التقليدية من جهة، وأخرى ضد سياسات الانتداب البريطاني التي تهدف إلى تجريد العرب من أراضيهم لمصلحة اليهود تنفيذاً لوعد بلفور».

هدف آخر دفع بالكاتب الفلسطيني وليد سيف إلى إنجاز العمل مهما كلفت الظروف، وهو «الخوف على الذاكرة من الضياع»، قائلاً: «صحيح أن الشعب الفلسطيني أثبت للقاصي والداني أن ذاكرته تستعصي على المحو والطمس، لكن نشوء الأجيال الجديدة التي اختزلت لديها القضية الفلسطينية في مجريات الأحداث القائمة، دفعت بي لأن أقدم عملاً يركز على التجربة الإنسانية التي تتحدث عن معاناة الفلسطيني منذ الثلاثينيات وحتى أواخر الستينيات..».

ويشير ضيف «العودة» إلى أن الهجمة «الطاغية» التي تسعى إلى مصادرة الماضي من التاريخ الفلسطيني تتطلب من كُتّاب الدراما أن يعملوا على إحياء القضية الفلسطينية وإحياء تاريخها قبل عام 1948، «لأن الواقع السياسي الحالي مهما كانت نتائجه يجب أن لا يجعلنا نستسلم لمصادرة الذاكرة التاريخية، فلا بدّ من إحيائه بصورة مستمرة، لأن الوعي في الحاضر وفي المستقبل والاستجابات السياسية والفكرية والاجتماعية لتحديات الواقع القائم، لا بد أن تأخذ اتجاهها الصحيح».

الكاتب الذي فتح عينيه على مشاهد الظروف غير الإنسانية التي يعيش فيها اللاجئ، يدفع به هذه الأيام إلى كتابة أعمال درامية تركز بصورة خاصة على معاناة اللاجئين الفلسطينيين، كي لا ينسى الفلسطيني أن أي تسوية سياسية تدور في مخيلة الرسميين لا تشتمل على حق العودة، هي باطلة في الأساس وغير شرعية.

وليد سيف الذي اشتهر بقدرته على كتابة التاريخ بطريقة واقعية إنسانية متميزة، نشر ثلاث مجموعات شعرية وهي: «قصائد في زمن الفتح»، «وشم على ذراع خضرة»، «تغريبة بني فلسطين»، جميعها مرتبط بالقضية الفلسطينية، يقول: «من يقرأ تغريبة بني فلسطين يجد أنني قدمت قصيدة ذات طابع درامي ملحمي، يوجد فيها شخصية شعبية فلسطينية تنهل من الثقافة الشعبية الفلسطينية والمأثور الفلسطيني بشكل عام، كما أن لها هيكلاً درامياً متصاعداً ومتنامياً يستطيع القارئ من خلال أبياتها الشعرية أن يلاحظ التشابه الكبير بينها وبين مسلسل التغريبة الفلسطينية».

ويضيف: «يمكن أن يؤلف الإنسان مؤلفاً حول تجربة الكتابة الدرامية، تجربتي في كتابة التغريبة الفلسطينية كانت واقعية، فقد كنت أكتب من رحم المعاناة لأن معظم الشخصيات وجزءاً كبيراً من الأحداث في المسلسل استمددتها من الواقع الفعلي الذي عشته وأنا طفل صغير، ومن أناس أعرفهم أو سمعت عنهم، فكان من الطبيعي أن أندمج اندماجاً كاملاً مع هذه الشخصيات، وأنا أقول بأن استجابة المشاهد الفلسطيني بالذات لهذا العمل كانت تختلف عن استجابة غيره، فهو يرى شخصيات يعرفها من أقاربه، فهذا أقرب ما يكون لجدته، وهذا أقرب ما يكون لجده، وهذا أقرب ما يكون لعمه، وهكذا دواليك.. إن التفاعل مع القضية من خلال مشاهدة التفاصيل الإنسانية اليومية لأناس عاديين أبلغ أثراً من الطرح المباشر للمفردات السياسية والتاريخية، أما الذين عاشوا التجربة واكتووا بنارها، فقد ثبّت العمل ذاكرتهم في وقت صارت فيه الذاكرة الفلسطينية مستهدفة ومهددة».

ويشير كاتب التغريبة إلى أنه بالرغم من «انخراطه الشديد في شخصيات الملحمة ومع الظروف التي مرت بها، إلا أنها انفصلت عنه عند نقطة معينة من الكتابة، رغم أنها نتاج مخيلته المرتبطة بالواقع، فبعد عدد من الحلقات بدت كأنها شخصيات حقيقية تملي عليه خطوط سيرها الروائية»، ويقول: «على سبيل المثال قبل ان أبدأ بكتابة الحلقات كتبت المعالجة الدرامية للشخصيات، ولكن بعد أن انخرطت انخراطاً كلياً في كتابة الحلقات وعند نقطة معينة وجدت الشخصية تخاطبني وتفرض علي اتجاهاً آخر في تطورها، فصارت هي التي توجهني وتكتب نفسها ولا أكتبها، عندما فرغت من كتابة الحلقة الأخيرة شعرت بحزن شديد جداً لأني وجدت نفسي أفارق شخصيات عشت معها وشاركتها معاناتها عبر سنوات طويلة..».

ويذهب الدكتور سيف للقول: «بما أن القضية الفلسطينية هي قضية مركزية لكل العرب والمسلمين، فإن على الكتّاب الدراميين والمخرجين ومؤسسات الإنتاج ومحطات التلفزة مسؤولية كبيرة باتجاه القضية المذكورة من خلال طرح أعمال درامية تذكر بالقضية الفلسطينية، وتجسد معاناتها وآمالها وآلامها».

فالقضية الفلسطينية كما يقول «تمثل مَعِيناً لا ينضب من المعالجات الإنسانية الدرامية، وعلى الكُتّاب في الوطن العربي أن يتذكروا على الدوام أن فلسطين ليست قضية إخوانهم الفلسطينيين. بل هي قضيتهم جميعاً، فالاحتلال يهدد تطلعات الإنسان العربي ويعترض طموحات الأمة العربية والإسلامية».

ولتستمرَّ النهضة ونتحرر من التبعية فإنه يترتب على الكتّاب والمفكرين بحسب سيف أن يقدموا أعمالاً أدبية تتصل بالقضية الفلسطينية وبمعاناة الشعب المهجَّر.

ويشير كاتب التغريبة في حديثه لـ«العودة» إلى أنه يخطط الآن لأعمال أخرى تدور في إطار القضية الفلسطينية وحق العودة، وأن هناك احتمالاً كبيراً لأن يتابع كتابة التغريبة الفلسطينية بجزء جديد، «فأحداث المسلسل الأول توقفت عند 1968، ومن المتوقع أن يتابع العمل بأجيال جديدة تتحدث عن معاناة الفلسطيني في الوقت الحاضر». ♦