مجلة العودة

في حوار فني حول حق العودةخليل عابد: حق العودة يجب أن لا يغيب عن ساحة الغناء الفلسطيني

 في حوار فني حول حق العودة

خليل عابد: حق العودة يجب أن لا يغيب عن ساحة الغناء الفلسطيني

ميس شلش: مخيلتي مليئة بصور التغريبة الفلسطينية وصور اللاجئين

 

تامر الصمادي

عالم الأناشيد الإسلامية والوطنية اتسع كثيراً وشمل معظم المواضيع، وتنوعت أساليبه وأنماطه ومدارسه، لكن المنشد الفلسطيني لم تخرج من فمه الآه إلا من وجع اللجوء واللهفة إلى بلاد سرقوا منه شوقه إليها، وتركوه يطارد «حق العودة» في المنافي والبلاد.

الفنان خليل عابد والمنشدة ميس شلش، كانا ضيفيْ مجلة «العودة»، ودار الحوار حول أناشيدهم والحنين إلى الوطن المقيّد خلف النهر.

ميس شلش

حينما تستمع إلى صوتها الحزين تشعر بأنكَ انتقلت في رحلة خيالية على «بساط الأشواق» إلى رام الله والبيرة وغزة وجنين، أما حشرجة صوتها فإنها تطير بك إلى حواري مدينة القدس القديمة حيث الماضي والحاضر، إلى هناك حيث أفران الطابون والجدة التسعينية التي تروي لأحفادها قصص «النكبة المؤلمة».

إنها ميس شلش الفتاة الفلسطينية التي هجرت من ديارها قسراً، ولم تشاهد وطنها رغم الحنين والشوق الذي تحمله بين أضلعها لمدينتها «جنين الحزينة».

منذ نعومة أظفارها شقت طريقاً صعباً لتكون «سفيرة الجرح الفلسطيني» إلى الوطن العربي، في محاولة منها لإيصال رسائل الاستنجاد والاستغاثة التي تصدر يومياً عن الفلسطيني المقهور في الداخل والخارج.

ولم تنسَ ميس في غنائها الهادف «حق العودة المقدس» للاجئين الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق، فكانت الصداحة على الدوام بحقوق شعبها المهجّر الذي يحنّ إلى وطنه السليب، وإلى عاصمة ودولة ليكون كبقية شعوب الأرض.

ميس التي غنت لأطفال فلسطين الذين حرموا العودة إلى ديارهم، تقول في مقابلة مع العودة: «مخيلتي مليئة بصور التغريبة الفلسطينية، وصور اللاجئين وهم يقفون على أبواب مراكز التموين كي يحصلوا على كيس من الخبز أو علبة من السردين»، وتضيف: «كانت ستي تحكيلي عن فلسطين وعن جمالها وعن الأراضي التي تملكها هناك، كانت تحكيلي عن خبز الطابون وعن وعن وعن.. أشياء كثيرة كانت تحكيها لي جدتي».

أنشودة «جن جنونه يا جنين» التي أنشدتها شلش جاءت لتؤكد على حق العودة كما تقول، وهي من ألبومها الذي أطلقت عليه «حق العودة».. أنشودة «صباح الخير يا بلادي» هي الأخرى كانت تأخذ ميس إلى عالم الأشواق، حيث «فلسطين المحتلة تفتح ذراعيها لابنتها التي عانت التهجير والنزوح، وحرمت من بيتها في مدينتها التي لم تولد فيها».

وتتابع ميس حديثها: «أنشودة (نادى الوطن) التي لحنتها وأديتها، حاولت أن تكرس حق العودة وتؤكد عليه، أما أنشودة (يمّه ويلي الصامتين) فهي تتحدث عن المعاناة التي يعانيها الشعب الفلسطيني في الداخل، وعن مأساة التهجير للفلسطينيين الذين حرموا من وطنهم المحتل وتشردوا في شتى أنحاء الأرض».

وهي في السابعة من عمرها اكتشفت أسرتها موهبتها وعذوبة صوتها.. أما والدها فقد كان يكتب لها الكلمات الوطنية ويقترح عليها الغناء من أجل الانتفاضة، وتقول في حديثها: «حينها بدأت الإنشاد وأصدرت أول شريط وهو بعنوان «صوت الحرية»، غنّيت فيه لجنين ومخيمها البطل وللانتفاضة والمقاومين في الأرض العربية، أسرتي هي أول من اكتشف موهبتي وساندني.. ووقفت إلى جانبي في كل المحطات، أما أبي فقد كان يرافقني في الحفلات والتسجيلات، فيما كانت أمي تساعدني في الدراسة»، متابعة حديثها بالقول: «بصراحة انطلاقتي الفنية كانت حول فلسطين ولأجل فلسطين، لكني غنيت للعراق وللبنان ولكل الدول العربية التي تعاني، كما تطرقت في غنائي للقضايا الإنسانية كغنائي عن اليتيم والطفولة والظلم في العالم».

ولم تنسَ ميس أن تشكر -خلال لقائنا بها- أستاذها الشاعر والمنشد والملحن خليل عابد، قائلة: «عمو خليل أعرفه من 11 سنة فهو يقوم بكتابة الكلمات المغناة لي، حقيقة هو إنسان رائع ووطني، عمو خليل كلماته تخرج من معاناته كلاجئ، وأنا أشدوها بأحاسيسي كلاجئة أيضاً».

خليل عابد

حينما تسمعه هو الآخر، تعتقد أنك أمام لاجئ سبعيني يشدو «أغاني بلادنا»، عميق الجذور، مفطور على تراث فلسطين، إنه خليل عابد؛ الشاعر والملحن والمنشد، الغزاوي المقيم في العاصمة الأردنية عمان.

ولد خليل عابد عام 1964 في غزة، وبدأ الإنشاد في فرقة وطنية عام 1982، وما لبث أن بدأ في الأناشيد الإسلامية، وشارك مع بعض الفرق في بعض الإصدارات، وكانت أولى مشاركاته في شريط «تحية وطن».

أول إصدار خاص له كان شريط «أم الشهيد» ثم «نشيد الغضب»، وتوالت إصداراته التي تميزت بصوت ميس شلش، ومنها «صوت الحرية» و«أسطورة جنين»، و«غربة وطن».. بالتعاون مع عدد من المنشدين.

مخيم غزة في الأردن احتضن الفلسطيني خليل عابد الذي «شاهد حياة اللاجئ الفلسطيني ومعاناته بكل تفاصيلها التي تصل إلى حد الجوع والفقر المدقع»، ويقول في حديث للعودة: «مساكن أهل المخيم لم تكن مهيأة حتى ليعيش فيها البشر. في مراحل دراستي الإعدادية بدأت أفهم معنى اللاجئ الفلسطيني، كلمة لاجئ تعني لي أشياء كثيرة لكنها مؤلمة، فأنا المهجّر قسراً عن أرضي ووطني، نعم أنا المهجر، فالبلاد هي حياتنا وروحنا، هي الأصل الذي نعيش من أجله ونربي أطفالنا على حبه».

وعن اكتشافه لموهبته الشعرية والفنية، يضيف الفنان المهجّر: «حينما كنت طفلاً في مدارس وكالة الغوث كنت أعمل في معامل الطوب كي أعيل أسرتي المهجرة، أما كتابتي لشعر العودة فقد بدأت أيضاً وأنا أتتلمذ على مقاعد الدراسة الأولى».

إذاعة صوت فلسطين التي كانت تبث أثيرها من العاصمة العراقية بغداد، كانت الشعلة التي أنارت الطريق لشاعر العودة خليل عابد، ويقول: «كنت أتابع على هذه الإذاعة الأناشيد الحماسية والفلسطينية، كنت أحبها كثيراً، فقد كانت تركز على حق العودة والمهجرين، مشددة أيضا على حق الفلسطيني في المقاومة، بدأت أتابع شاعر الثورة الفلسطينية صلاح الدين الحسيني. أما أول قصيدة مغناة لي فقد أديتها في الكلية المتوسطة الأردنية، وتحدثت فيها عن حقنا في العودة وعن معاناة اللاجئ الفلسطيني».

ويرى عابد أن رسالة الفنان تمثل البوصلة التي تجدد مسار الجماهير، مشدداً على أن حب الأوطان أمر سامٍ ورفيع، «فالغناء والشعر وسيلة من وسائل مقاومة الاحتلال، وحق العودة يجب أن لا يغيب عن ساحة الغناء الفلسطيني».

ويفكر الفنان عابد هذه الأيام في إصدار فني يركز على حق العودة، كي يبقى حلم العودة مغروساً في أفئدة اللاجئين الذين طردوا من وطنهم المحتل.

خليل عابد الذي كتب مئات القصائد التي تتغنى بحق العودة، وأنشد للأرض، والحاكورة، والمهباش، وجلسة «الختيارية»، يقول: «العودة إلى فلسطين حلم جميل لا بد أن يتحقق، ويجب على الفنان الفلسطيني أن لا ينسى حق العودة في أغانيه وقصائده ومؤلفاته، ليبقى الحلم راسخاً في أذهان الصغار قبل الكبار..».♦