مجلة العودة

جسر العودة: «كشف المستور».. وانتهازيو الثورة - ياسر علي

«كشف المستور».. وانتهازيو الثورة

ياسر علي

تُظهر الوثائق التي كشفت عنها قناة «الجزيرة» المخاطر التي وصلت إليها القضية الفلسطينية من خلال المفاوضات والتنازلات وسوق العرض والعرض (لا العرض والطلب)..
 
وتطرح هذه الوثائق عدداً من ملاحظات لا بد منها:

أولاً: إن أصحاب هذه الوثائق أقاموا الدنيا على كيفية الحصول على هذه الوثائق (سرقة وخيانة)، لا على مضمون هذه الوثائق (بيع وخيانة).

ثانياً: حاول البعض تعليق هذه الفضيحة على مشجب الانقسام الفلسطيني، وأن الحكومة في غزة تنسق مع الاحتلال على المعابر.. فلا يلومنّ أحد السلطة في رام الله على ما تفعله من تعاون مع الاحتلال!

ثالثاً: إن أسلوب التفاوض لم يتغير منذ مدريد (1991) وواشنطن (1992)، وهو إيهام الرأي العام بشيء وفعل نقيضه في المفاوضات السرية. وعند الوصول إلى اتفاق (كاتفاق أوسلو) يضعون الفلسطينيين أمام الأمر الواقع، بعد ربطهم اقتصادياً واجتماعياً ووظيفياً بالمشروع الكبير، ما يجعل التملص من تبعاته ومتعلقاته ضرباً من المستحيل.

رابعاً: يجب أن نتذكر أنه إذا كانت منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، فإنها لا تضم أكثر من ممثلين لـ 30% من الشعب الفلسطيني. وهنا نقول إن التمثيل يجب ألّا يُقرأ بالمقارنة بين المنظمة وغيرها، بل بين المتنفذين الذين يقودونها مع غيرهم (إذ ماذا يمثل شخص مثل ياسر عبد ربه المنشقّ عن حزب فدا المنشق عن الجبهة الديموقراطية المنشقة عن الجبهة الشعبية؟).

خامساً: ما هو سقف أو قعر الثوابت التي تتمسك بها السلطة الفلسطينية، بعدما أوجعت رؤوسنا بتمسكها بها، هل تعرّف السلطة مساحة فلسطين وعودة اللاجئين و.. و..؟

سادساً: أمام كل هذه التنازلات، يحق لنا أن نسأل: هل يشعر المفاوضون بثقل المهمة، مهمة تحرير وطن؟ أم أنهم يشعرون بأن القضية لا تعدو تحرير صك وعقد بيع وشراء في شركة تجارية؟

سابعاً: هل يظن هؤلاء أنهم إذا لم يحققوا التسوية، فإن التاريخ لن يغفر لهم هذا؟ وأنهم لا يمكن أن يتركوا أمر التحرير للأجيال القادمة؟ من تعب فليسترحْ.. وليترك الأجيال القادمة تقرر مصيرها.

ثامناً: وهو الأهم، لأنه خلاصة اتفاق أوسلو وخطيئته، وينطبق عليه قول الثائر الأممي تشي غيفارا «الثورات يصنعها مغامرون ويديرها مفكرون ويقطفها انتهازيون»، فأي نوع من الانتهازيين لدينا تحتضن هذه السلطة؟

لقد أفرزت تجربة أوسلو والسلطة الفلسطينية أربعة أنواع من المسؤولين الذين أثروا على مسار هذه السلطة بدءاً من الواقع اليومي حتى المفاوضات مع الاحتلال.

الأمنيون: وهؤلاء يدّعون دائماً أنهم يعرفون أكثر مما يعرف الآخرون، فكمّموا أفواه الآخرين، وتصرفوا بناءً على «الأدلة السرية»، وقمعوا المعارضين بدءاً من رجال المقاومة حتى الأكاديميين والسياسيين، لأنهم -كما هو واضح- من هواة «نظرية المؤامرة» التي يزعمون أنها تُحاك ضد الفلسطينيين، ويقولون «نعرف أكثر مما تعرفون».

أمراء حرب: وهؤلاء الذين دخلوا في صفقات تجارية معتمدين على سلطتهم الأمنية، فسيطروا على المعابر وإنتاجها، واحتكروا بالخوّات والمساهمات سوق الاستيراد والتصدير والتعاون مع الاحتلال، فحققوا ثروات خيالية في مدة خيالية.

اقتصاديون: يؤمنون أن «السلام» هو الحل والحاضنة الأفضل لنجاح الاستثمار في فلسطين، لأن رأس المال جبان، ويقودهم رئيس حكومة رام الله سلام فياض، حيث يسعى إلى تحقيق «السلام الاقتصادي».

الأكاديميون: الذين يعتمدون على الدراسات البعيدة عن العواطف الوطنية والوجدانية والبعد الديني، فالأرض عندهم مجرد مساحة، والمسجد الأقصى عمران، والناس أرقام، وتكاثرهم ضغط اجتماعي، وأسواق القدس والخليل اقتصاد، والتاريخ روزنامة، والوجود الصهيوني في فلسطين مجرد تعداد سكاني.

نظريات هؤلاء لا تعتمد على الخيار بين الوجود وعدمه، والعدل والظلم، والحق والباطل.. إنهم يرون الأمور من منظار الأرقام والإحصاءات والنظريات العلمية، بعيداً عن الحق والكرامة والتحدي.

ولا أنسى ذلك السياسي الأكاديمي الذي خرج يدافع عن الحكمة في تأجيل التصويت على تقرير غولدستون، وما لبث أن خذله من طلب منه الدفاع عن الموقف، بإنكارهم دورهم في التأجيل.

إنهم لا يفاوضون على حرية وطن وحق عودة اللاجئين، بل على شركة تجارية وأرقام تنزاح حيثما أرادوا! خاب كيدهم، وسيلفظهم شعبنا عاجلاً أو آجلاً.