مجلة العودة

حتى نعود: ليستْ العودةُ حلماً - د. حسن الباش

ليستْ العودةُ حلماً

د. حسن الباش/ دمشق

يتصور الكثيرون أنَّ العودة حلم من الأحلام يراه الإنسان في منامه أو في يقظته، وعندما يمر على الإنسان ستون عاماً يزداد الحلم استغراقاً ويظن الإنسان أن العودة باتت مستحيلة، وخاصة إذا تعقدت ظروف العمل السياسي الفلسطيني مثلما نراها اليوم.

صحيح أن آباءنا وأمهاتنا انتقلوا إلى رحمة الله وهم يتحسرون على فقدان أوطانهم، وتشردهم بعيداً في المنافي ومخيمات الشتات. صحيح أنهم ظلوا يأملون العودة ولو لساعات أو لأيام، لكنهم ماتوا ولم يعودوا.

ها نحن جيل النكبة الذين لم نعش في فلسطين يصيبنا القلق أحياناً خوفاً من عدم عودتنا إلى بلادنا. ويراودنا إحساس بأن الوقت قد طال، وها نحن نبلغ الستين سنة من عمرنا ونقول: إلى متى؟ وهل نموت مثلما مات أهلنا الذين أخرجوا من فلسطين مجبرين مكروهين؟

قد يصيب بعضنا اليأس والخوف، لكننا حين نقرأ التاريخ ندرك أن العودة آتية لا ريب فيها. قد نموت ويأتي جيلٌ بعدنا يحقق النصر على العدو ويستعيد حقه في العودة.

أذكر هنا المؤرخ شهاب الدين عبد الرحمن بن إسماعيل المقدسي المعروف بأبي شامة، ومؤلف كتاب عيون الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية. هذا المؤلف قُتل جده المدعو محمد بن أحمد بن أبي القاسم، إمام مسجد قبة الصخرة في الحملة الصليبية الأولى عام 1099، وقد دفن جده في مقبرة مامله- مأمن الله- بالقدس الشريف، فانتقل ابنه أبو بكر إلى دمشق، فولد له ولدان ثم أنجب الولدان أولاداً حتى أنجب أحدهم أبو شامة المؤلف.

حرر صلاح الدين بيت المقدس عام 1187م وولد أبو شامة سنة 1202م، يعني أنه شهد القدس وهي محررة لكن الصليبيين كانوا لا يزالون في عكا، وبعض مناطق الساحل الشامي. وعندما بلغ رشده راح يؤلف كتابه ويذكر فيه الكثير من الحوادث التي مرت على بيت المقدس. ويقول أبو شامة إن أكثر ما دفعه إلى تأليف هذا الكتاب تذكره لجده الذي قتله الصليبيون في الحملة الأولى، وعندما عاد أبو شامة إلى القدس وهي محررة، تذكر أنها وقعت تحت الاحتلال لمدة 90 عاماً تقريباً، وبعدها حررتها سواعد المجاهدين بقيادة صلاح الدين وعاد أحفاد المقدسيين فرحين بعودتهم إلى ديارهم.

فلماذا نيأس؟ ولماذا تكون العودة مجرد حلم أو خيال؟ فالعودة حق واجب. العودة آتية، إن لم نرها نحن فسيراها الجيل الذي يلينا، وعندها تجتمع أرواح آبائنا وأجدادنا وأرواحنا لتعود إلى أرضها مباركةً سواعد التحرير، ومحققة العودة والانتصار. صحيح أن الطريق مليء بالأشواك والألغام والعقبات، لكنه يبقى طريقاً ثابتاً نحو العودة والتحرير. ففلسطين لفظت الغزاة دوماً على الرغم من أن بعضهم بقي فيها عشرات بل مئات من السنين. كم بقي الاستعمار الروماني؟ كم بقي الاستعمار البريطاني وقبله الصليبي؟ كل الغزوات إلى اندحار. وهذه الغزوة الصهيونية سوف تندحر مهما طال الزمان، ويعود أبناء فلسطين إلى ديارهم معززين مكرّمين طاردين كل غريب ولافظين كل محتل.

العودة حق واجب، وواجبنا أن نصبر ونرابط ونجاهد حتى يتحقق واجب العودة، وتتحقق لضمائرنا سعادتها، ونرفع عن كاهلنا مسؤولية التحرير والعودة حين نحرر ترابنا وأرضنا، وتعود فلسطين كما كانت وستظل، فلسطين كل فلسطين.