لم يَدرْ في خلدنا نحن القادمين إلى الدوحة أن نجد هذا الحشد المميز من
الشخصيات الفاعلة في الأمة العربية والإسلامية في مؤتمر القدس السادس، وخاصة أن مؤتمر
العام الماضي كان ملتقى دولياً وشعبياً جماهيرياً.. الأمر الذي يكرّس مؤسسة القدس بصفتها
الدولية المستحقة والمؤثرة.
أجهزة المؤسسة، وناشطوها ومتطوعوها، وصلوا إلى قطر قبل انعقاد المؤتمر
بأسبوع، ووصلوا الليل بالنهار وأبلوا بلاءً حسناً في التنظيم والاستقبال والإدارة والإعلام
والخدمات. وكان لافتاً للانتباه الدعم الإيجابي الذي قدّمته للمؤتمر وللقدس «مؤسسة
عيد الخيرية» في مختلف مجالات التنشيط والتفعيل والتشبيك.
المؤتمر
ليس ثمة خلاف على أهمية وحدة الأمة لاستعادة مقدساتها وحضورها بين الأمم، لكن الأدوات والأسس تبقى محل جدل دائم، ولعل واحداً من هذه الأسس التي تجمع الأمة؛ هو قضية القدس، التي تحملها مؤسسة القدس الدولية، وتمثِّل من خلالها واحدة من الأدوات المهمة للوحدة، إذ بات مؤتمر القدس السنوي إحدى أهم التظاهرات الدولية التي يحتشد فيها المئات من رموز الأمة، على اختلاف مشاربهم وانتماءاتهم من أجل القدس.
في مؤتمر القدس السادس الذي كان برعاية الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، أمير دولة قطر، الذي انعقد هذا العام في الدوحة ما بين 12 و14 تشرين الأول (أكتوبر) 2008، بحضور نحو 400 شخصية من مجلس أمناء مؤسسة القدس الدولية والشبكة العالمية للمؤسسات العاملة للقدس، وعدد من المدعوين، تجلى أكثر من مظهر لهذه الوحدة، لعل من أبرزها تلك اللقاءات الجانبية التي تمت بين مختلف الجهات المشاركة.
سبق المؤتمر حفل استقبال للمدعوّين من الأعضاء والضيوف. وفي اليوم التالي افتتح المؤتمر أعماله بجلسة تحدث فيها بشارة مرهج نائب رئيس مجلس أمناء المؤسسة، والأمين العام للمؤتمر القومي الإسلامي منير شفيق، ومستشار المرشد الأعلى للجمهوريّة الإيرانيّة علي أكبر ولايتي، ورئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس المطران عطا الله حنا، والدكتور إسحاق الفرحان باسم الحملة الأهلية لاحتفالية القدس عاصمة الثقافة العربية عام 2009، وممثّل جامعة الدول العربية العربيّة السفير محمد صبيح، ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل، والشيخ يوسف القرضاوي، رئيس مجلس أمناء المؤسسة.
ناقش المؤتمر في جلساته المغلقة جملة تقارير قدّمها رئيس وأعضاء مجلس إدارة مؤسسة القدس الدوليّة، والأمين العام لمؤسسة القدس الدولية الدكتور محمد أكرم العدلوني، وأعضاء الشبكة العالميّة للمؤسسات العاملة للقدس، ورؤساء الفروع عن المشاريع المنجزة في القدس للعامين 2007-2008، وعن أوضاع وأعمال مؤسسة القدس الدوليّة وفروعها حول العالم. كما ناقشوا أوضاع مدينة القدس المحتلّة وأحوال أهلها ومقدّساتها.
وشهد أوّل أيّام المؤتمر أمسية القدس الخيريّة التي جُمع خلالها حوالى 9 ملايين دولار لمصلحة مشاريع القدس، وبيعت خلالها أيضاً مجموعة من المقتنيات المقدسيّة في مزادٍ خيري بلغت قيمتها مليونين وأربعمئة ألف ريالٍ قطريّ (674 ألف دولار).
البيان الختامي
وقد شدّد المؤتمر في ختام أعماله على ضرورة «استنفار الهمم لمواجهة التهديدات التي تتعرض لها المقدسات الإسلامية والمسيحية في هذه المرحلة الحاسمة من تاريخ الصراع على المدينة المقدّسة، وخصوصاً المسجد الأقصى المبارك، والعمل على مواجهة مخططات السيطرة على أجزاء منه، والتدخل المباشر فيه، وإعاقة حرية الوصول إليه، وإقامة مدينة يهودية بموازاة البلدة القديمة للقدس يكون مركزها المسجد الأقصى».
وقد حذر البيان الختامي من «أننا أصبحنا في مرحلةٍ حاسمةٍ من تاريخ الصراع على القدس، وأن ما يحصل الآن، أو ما سيحصل في الأعوام القليلة المقبلة من شأنه أن يحسم مصير المسجد الأقصى، لذا فإن الجماهير العربية والإسلامية مدعوة للتحرك دفاعاً عن قبلتها الأولى». ودعا الأمة العربية والإسلامية وحكامها إلى «تحدي الخوف وكسر الحصار الظالم على فلسطين وعلى قطاع غزة بصورة خاصة، ومساعدة الشعب الفلسطيني على تخطي حالة الانقسام الخطير التي يعانيها». وأكّد ما ورد في إعلان اسطنبول التاريخي، الصادر في 17 تشرين الثاني (نوفمبر) 2007.
وفي ما يتعلق بإعلان القدس عاصمة للثقافة العربية لعام 2009، دعا المؤتمر الأمّة العربية إلى أن تكون على قدر التحدّي الذي شكّله هذا الإعلان، وأن تثبت من خلاله أنها أمة تستحق القدس.
ووجه المؤتمر في بيانه الختاميّ أيضاً تحية للشعب الفلسطيني الصامد ومقاومته الباسلة في التصدي للاحتلال الصهيوني، كما وجّه التحية للأسرى في سجون الاحتلال، وخاصة الوزراء وأعضاء المجلس التشريعي. وشكر دولة قطر، أميراً وحكومةً وشعباً، لرعايتها المؤتمر، وموافقتها الأولية على افتتاح فرع لمؤسسة القدس الدولية في الدوحة، ولدعمها مشروع «وقف الأمة لبيت المقدس»، من خلال وضع الحجر الأساس لبرج القدس في الدوحة. |