مجلة العودة

إيمان يس :فلسطينيو مصر ضحية التغيرات السياسية

فلسطينيو مصر ضحية التغيرات السياسية
ايمان يس - القاهرة
 
شهدت العقود الأربعة الماضية انحداراً ملحوظاً في الخطاب العربي القومي عامة، وتجاه القضية الفلسطينية على وجه الخصوص. وبطبيعة الحال، انعكس ذلك على وضع اللاجئين الفلسطينيين في مصر. وقد استجاب القانون المصري لهذه المتغيرات السياسية، فألحق فلسطينيي مصر بباقي الجاليات الأجنبية تارة، وأعطاهم حقوق المواطنين المصريين تارة، وضيق عليهم إلى حدّ المنع من الالتحاق بكليات القمة، وحظر عليهم تملك الأراضي وضيّق على حيازة الإقامات وتصاريح العمل تارة ثالثة.
وأجاز القانون المصري رقم 66 لسنة 1962 تشغيل الفلسطينيين في وظائف الدولة والمؤسسات العامة في مصر، وسمح لهم أيضاً بمزاولة مهن الطب والقانون والصيدلة والهندسة التي كانت ممنوعة تماماً على الأجانب (غير المصريين).
وقد عزز وزير العمل هذا القانون بإصدار قرار يعفي الفلسطيني من الحصول على تراخيص عمل، ثم جاء قرار عبد الناصر رقم 46 لسنة 1964 الذي أكد ضرورة استثناء الفلسطينيين من صفة الأجانب، وسمح لهم القانون بالحصول على سجلات تجارية، ومُنحوا حق الاستيراد والتصديرـ خلافاً لبقية العرب ـ وتمتعوا بحق العلاج المجاني، أي إنهم كانوا يتمتعون بكافة حقوق المواطن المصري. وقال البعض إنهم كانت لهم حقوق أكثر من حيث صرف رواتب للطلبة ولبعض العائلات المحتاجة.
وفي مجال التعليم، قبلت مصر بين أواسط الخمسينيات وأواسط الستينيات 5642 طالباً جامعياً فلسطينياً من قطاع غزة وحده، وقدمت قروضاً استفاد منها 1192 طالباً بمعدل 48 جنيهاً لكل طالب، إضافة إلى منح للطلبة المتفوقين بقيمة 100 جنيه مصري لكل منهم، وجرت مساواتهم من حيث معدلات القبول في جميع الكليات، بل امتازوا عليهم بالإعفاء من الرسوم.
استمر هذا الوضع طوال فترة حكم عبد الناصر وحتى السنوات الخمس الأولى من حكم الرئيس المصري محمد أنور السادات.
وفي حزيران/ يوليو 1978 صدر قرارا رئيس الجمهورية بالرقمين 47 و48، بإلغاء كافة قرارات التي كانت تقضي بمساواة الفلسطيني بالمواطن المصري في المعاملة، وحظرت وزارة القوى العاملة على الأجانب، ومن ضمنهم الفلسطينيون، العمل في التجارة والاستيراد والتصدير، إلا لمن كان متزوجاً بمصرية منذ أكثر من 5  سنوات.
ووصل الأمر إلى حد عدم السماح لهم بمزاولة أي عمل من الأعمال، سواء كان وظيفة أو عملاً تجارياً أو صناعياً، ما دفع الكثيرين من حملة المؤهلات الجامعية إلى التوجه لدول الخليج. بل والأكثر من ذلك أنه طبعت مصلحة الهجرة والجوازات على الإقامات وجوازات السفر الفلسطينية عبارة: «لا يجوز له العمل بأجر أو بلا أجر».
وقد أصدرت الحكومة المصرية أغرب قانون إبان حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك؛ ففي عام 1985 صدر قانون يحرم الفلسطينيين حق امتلاك الأراضي الزراعية. والعجيب أن القانون اشترط تطبيقه بأثر رجعي، بل إنه منع الفلسطيني المتزوج بمصرية من أن يبيع أرضه لزوجته وأجبره على بيعها لمصري آخر، إلا أن الحكومة عادت وعدلت عن هذا القانون في وقت لاحق.
وطال العسف سفر الفلسطينيين وإقامتهم. وكان الفلسطينيون في مصر وقطاع غزة يحملون وثائق سفر من «حكومة عموم فلسطين»، حتى سنة 1960، حين صدر في مصر القانون رقم 28  لسنة 1960، منح فلسطينيو مصر وقطاع غزة بموجبة وثائق سفر مصرية ضعيفة الفاعلية، حيث لم تمنح حاملها حق الدخول إلى مصر، إلا بإذن مسبق من قنصليات مصر في الخارج.
وتفاوتت سنوات الإقامة التي تمنح، دورياً للفلسطيني في مصر بحسب سنة قدومه إلى البلاد، وسنوات إقامته. فمن قدم في ما بين سنتي 48 - 1953 منح إقامة لمدة خمس سنوات متصلة. ومن مضى على إقامته في البلاد أكثر من عشر سنوات، يمنح إقامة لمدة ثلاث سنوات. أما أقل من هذه المدة، فيمنح إقامة لمدة سنة كاملة، عليه تجديدها من مصلحة الجوازات، عند انتهائها.
في مطلع سنة 1984، صدر قانون "تنمية موارد الدولة”، الذي عدّ الفلسطينيين "أجانب”، وفرضت وزارة الداخلية المصرية على الإقامة السنوية لكل فلسطيني رسماً قدرة 42,5 جنيها مصرياً، بينما لا تتعدى نسبة القادرين 2% من مجموع الفلسطينيين في مصر. فيما على الفلسطينيين الوافدين إلى مصر، الراغبين في الإقامة فيها أن يحوّلوا 180 دولاراً عن كل فرد، شهرياً، فضلاً عمّا أصبح الفلسطيني يتعرض له من مضايقات في المنافذ المصرية، في مقدمتها إهماله وتركه ينتظر ساعات طوالاً، قبل أن يسمح له بالدخول، رغم حمله تأشيرة دخول مسبقة. أما القادمون من فلسطين المحتلة، فتواجههم مشكلة عند قدومهم، حيث يُحتجَزون أحياناً في منطقة رفح لمدة لا تقل عن 36 ساعة، قبل السماح لهم بدخول مصر، رغم أنهم يحملون موافقات مسبقة للدخول. وفرضت مصر منذ صيف 94 قيوداً قاسية تحدّ من دخول الغزيين إلى مصر إلا في حالات إنسانية وبعد تنسيق مسبق مع السلطات. إلا أن هذه القيود خُفِّفت ابتداءً من آب/ أغسطس 1996 م.
ووصل تعسف النظام المصري مع الفلسطينيين، سواء المقيمون في مصر أو من يضطرون إلى المرور بها في طريقهم إلى قطاع غزة ذروته خلال أعوام الحصار، ما أدى إلى استشهاد العشرات بسبب إغلاق معبر رفح البري الفاصل بين الحدود المصرية والفلسطينية إغلاقاً شبه كامل، إلا أن هذه الظروف تحسنت كثيراً بعد الثورة المصرية التي أطاحت هذا النظام  ♦