مجلة العودة

اللاجئون وموجة الغلاء.. والنكبات تتلاحق !

اللاجئون وموجة الغلاء.. والنكبات تتلاحق !
لبابة ذوقان/نابلس
 
   فمنذ توقيع اتفاق أوسلو، تعيد السلطة الوطنية هي المخيمات ذاتها التي انتفضت مرتين على الاحتلال. وهي نفسها التي تنتفض اليوم، لكن هذه المرة في وجه وحش الغلاء والقرارات الحكومية التي سببت ارتفاع نسب الفقر والبطالة والأسعار، وأصبح اللاجئ الفلسطيني في الضفة يعاني ويلات أخرى فوق بلاء حياة المخيمات .

وانطلقت شرارة الاحتجاج على ارتفاع الأسعار في الضفة الغربية منذ أسابيع، وخاصة بعد الارتفاع المتواصل في أسعار السلع، ولا سيما المحروقات، واتساع نطاق الاحتجاجات ليشمل كافة المناطق بالضفة، وخاصة في مخيمات اللاجئين.

فمع بدء الاحتجاجات، شارك أهالي المخيمات في مسيرات غاضبة، وعبّروا عن استيائهم من السياسات الحكومية التي لم تلتفت إلى معاناتهم في ظل العيش ببيوت تنعدم فيها مقومات الحياة السليمة والهادئة.

وطالب المحتجون الحكومة الفلسطينية في رام الله برئاسة سلام فياض بخفض أسعار السلع والمحروقات، إضافة إلى الحدّ من فرض المزيد من الضرائب والاستمرار بزيادة قيمتها، وطالبوا أيضاً بصرف رواتبهم كاملة بلا تأخير، مهددين باستمرار الاحتجاجات والإضرابات والاعتصامات إذا لم تلبّ الحكومة مطالبهم.

حياة لا تطاق

المواطن محمد سوالمة من مخيم بلاطة في مدينة نابلس شمال الضفة الغربية، عبّر عن استيائه من الوضع المعيشي السيئ الذي وصلت إليه حياتهم، وقال لـ"العودة": "الحياة أصبحت لا تطاق. الغلاء ضاعف معاناتنا وضيّق علينا الحياة، الناس في المخيم يشعرون بالإحباط أصلاً من طبيعة الحياة والاكتظاظ وقلة فرص العمل، وفوق هذا كله تأتي موجة الغلاء لتغرقنا جميعا".

ويتابع: "لا أحد يهتم بأمر اللاجئين، حتى وكالة الغوث تقلص خدماتها في الوقت الذي نحن فيه بأمسّ الحاجة إلى هذه الخدمات والمساعدات".

أما السيدة أم عزام، وهي أم لستة أطفال، فتصف حال أسرتها التي أرهقتها طلبات أطفالها ولوازمهم اليومية، وتقول: "أبنائي الستة كلهم في المدرسة، ومع بداية العام الدراسي كانوا بحاجة إلى كسوة جديدة وقرطاسية وحقائب وكل ما يلزم الطالب المدرسي، ولم أستطع أن أرفض لهم طلباً حتى لا يشعروا بأنهم أقل من زملائهم".

وتضيف:"اضطر زوجي إلى العمل طوال النهار، وفي الليل كان يعمل حارسا لأحد المصانع، حتى نستطيع أن نوفر المال اللازم لحاجات الأطفال. لكن رغم ذلك، فقد اضطررنا إلى أن نستدين المال، فكل شيء أصبح سعره مضاعفاً. لا شيء رخيص، تفاجأت جداً عندما كنت أسأل عن أسعار الحقائب المدرسية، أسعارها غالية جداً، لقد كلفتي الحقائب وحدها ما يقارب ثلاثمئة شيكل!".

وتستذكر أم عزام حالهم قبل عدة سنوات وتقول:"قبل سنوات كان مبلغ قليل يفي بالغرض ونتمكن من توفير كل ما يلزم الأطفال.لكن الغلاء الذي نعيشه أفقر الناس، بل زادهم فقراً؛ فكل شيء في ارتفاع مخيف عدا الراتب والدخل الشهري؛ فهو ثابت، بل يتناقص بسبب التأخير في صرف الرواتب والديون المتراكمة علينا".

انعدام فرص العمل

الشاب أحمد عدنان من مخيم العين في نابلس، أنهى دراسته الجامعية منذ عامين، ولم يتمكن حتى الآن من الحصول على وظيفة عمل، يقول لـ"العودة": "منذ تخرجي من الجامعة وأنا أبحث عن وظيفة أعتاش منها وأتمكن من توفير بعض النقود حتى أتمكن من الزواج، لكن للأسف لم أتوفق حتى الآن".

ويتابع قائلاً:"توجهت إلى مكتب وكالة الغوث في مدينة نابلس، سائلاً عن فرصة عمل في برنامج الطوارئ، حيث توفّر من خلاله الوكالة فرصة عمل للعاطلين من العمل لعدة أشهر، وعملت من خلال البرنامج لثلاثة أشهر فقط، ولم أتمكن من تجديد العقد مرة أخرى".

وطالب أحمد وكالة الغوث بتوفير فرص عمل ومساعدة الشباب في المخيمات على بناء حياة كريمة في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية والغلاء الذي يعيشونه، وأضاف:"الوكالة تسعى في تقليص خدماتها، رغم أننا كنا نعوّل كثيراً على الخدمات التي تقدمها، وخاصة في برنامج الطوارئ، لكن للأسف حتى هذا البرنامج جرى تقليصه".

وفي ذات الإطار، قالت أم نايف من مخيم بلاطة لـ"العودة":"سجلت في برنامج الطوارئ عدة مرات، وبسبب تردي وضعنا الاقتصادي كانت لي أولوية في العمل وتلقي المساعدات منه.لكن الآن، في ظل الغلاء الذي نعيشه، انقطعت عنا كل المساعدات، وبدلاً من أن تعيننا الوكالة على تخطي هذه المرحلة وتساعدنا في توفير فرص عمل أو مساعدات، قامت بقطعها عنّا وحرماننا حقنا".

أما الأسير المحرر من سجون الاحتلال أحمد طلب (27 عاماً) من مخيم عسكر، فقال لـ"العودة": من حق الأسرى المحررين في المخيمات أن يجدوا فرصة عمل لهم بعد خروجهم من السجن، لكننا خرجنا لعالم مختلف عن السابق، الغلاء أرهق الناس وحالة من الإحباط تسود الشباب في المخيم بسبب تفشي البطالة وارتفاع أسعار جميع السلع بلا استثناء، وخصوصاً أسعار المحروقات والغاز الذي لا غنى عنه في كل منزل".

ويضيف:"الوضع المعيشي لنا نحن الأسرى المحررين العاطلين من العمل، وخصوصاً في هذه الظروف الصعبة، أثر كثيراً علينا.أصبحنا نبحث عن أي فرصة عمل مهما كانت ومهما قلّ الراتب الذي نتقاضاه منها، فنحن بأمس الحاجة لأي دخل ينتشلنا من الفقر والغلاء الذي عمّ وطمّ كل شيء".

تضاعف أعداد الفقراء

وتأكيداً لتردي أوضاع اللاجئين في المخيمات، أشارت إحدى موظفات مكتب وكالة الغوث في مدينة نابلس لـ"العودة"إلى تضاعف أعداد المراجعين المطالبين بتوفير مساعدات وفرص عمل، وقالت:"في كل يوم يأتينا عشرات المواطنين الذين يطالبون بمساعدات مالية وغذائية ومؤن، ولكن جواب الوكالة يكون:"لا يوجد، لا نستطيع.الفرص محدودة والمساعدات محدودة"، وهذا الأمر يثير غضب الناس بشكل كبير".

وتضيف: "الوكالة تتبع الآن برنامجاً جديداً لتحديد العائلات الأكثر استحقاقاً للمساعدات، وذلك من خلال برنامج "الاستحقاق"، فمن خلال معادلات محسوبة إلكترونياً، نتمكن من معرفة تلك العائلات وتحديد وضعها المعيشي، وعلى هذا الأساس تُقدَّم بعض الخدمات لها".

 هجمات متتالية

بدوره، أشار منسق لجان خدمات المخيمات في شمال الضفة إبراهيم صقر، إلى تردي الوضع المعيشي للاجئين بالضفة بسبب موجة الغلاء الفاحش الذي طاول كافة مناحي الحياة. وقال صقر في حديث خاص مع "العودة": "اللاجئون في المخيمات يعانون أصلاً هجمات متتالية من الفقر والبطالة والتكدس بأعداد السكان بنحو يتضاعف مع مرور الأيام في مساحة ضيقة جداً لم تتغير منذ عام 48، إضافة إلى تقليصات خدمات الوكالة التي وصلت إلى 70% من خدماتها المقدمة للاجئين".

وأضاف: "وفوق كل تلك الهجمات جاءت موجة الغلاء الفاحش التي أثرت على كل الناس، وخاصة أهالي المخيمات بنحو لا يوصف، ومن يأتي إلى المخيم ويتفقد الناس ويسألهم عن أوضاعهم سيرى بأمّ عينيه مدى الغضب والاحتقان في صدور الناس بسبب الأوضاع المعيشية الصعبة".

وأشار إلى أن لجان الخدمات في المخيمات لا تملك خططاً بديلة للتخفيف من معاناة سكان المخيمات، وقال: "الخطط البديلة هي من مسؤولية الحكومة التي عليها أن تتدبر أمور مواطنيها وتوفر لهم حياة كريمة.أما نحن كلجان خدمات، فلا نملك شيئاً نقدمه لهم.لكن من موقع مسؤوليتنا، نحن نوصل صوتهم إلى المسؤولين وأصحاب القرار ونتحدث عن معاناتهم وظروف عيشهم ونوصل الرسالة لهم ليجدوا حلاً ويقدموا البدائل لهؤلاء اللاجئين الذين اجتمعت عليهم المصائب والظروف المعيشية الصعبة".

وأوضح أن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الأونروا هي أحد أسباب حالة الفقر والإحباط التي تسود المخيمات، حيث عمدت إلى تقليص غالبية برامجها، وقال:"الوكالة لم تبقِ إلا على برنامجي التعليم والصحة، وحتى في هذين البرنامجين تسعى إلى تقليصهما".

وفي ما يتعلق ببرنامج الطوارئ قال:"البرنامج كان يشمل تقديم المساعدات المالية والغذائية وترميم البيوت وتوفير الدعم للمشاريع الصغيرة. فعلى سبيل المثال كانت الوكالة تقدم 500 وظيفة شهرياً قلصتها لـ40 وظيفة، ونحن لا نستبعد في العام المقبل أن تلغي هذه الوظائف بالكامل".

حالة غليان

ولفت صقر إلى حالة الغليان التي تسود المخيمات منذ انطلاق شرارة الاحتجاج على حالة الغلاء في الضفة الغربية، وقال: "لقد لوحظ أخيراً خلال الاحتجاجت على الغلاء أن غالبيتها كانت تتركز وتنطلق من مخيمات اللاجئين بالضفة. وللأسف، في كثير من الأحيان خرجت تلك الاحتجاجات عن السيطرة".

وأضاف:"الناس داخل المخيمات على وشك الانفجار؛ فهم لم يعد بوسعهم التحمل أكثر من ذلك، وكلهم بلا استثناء بحاجة إلى مساعدات؛ فمتخرجو الجامعات لا يجدون فرصة للعمل بعد تخرجهم، والأسرى المحررون كذلك لا يجدون فرص عمل بعد تحررهم، وغيرهم من شرائح المجتمع في المخيمات وخارجها.واستمرار هذه الأوضاع وتفاقم الأوضاع المعيشية السيئة ينذران ببوادر احتجاجات؛ فالناس لن يسكتوا طويلاً".