مجلة العودة

مواهب أطفال تخلق من العدم في مخيمات اللجوء

مواهب أطفال تخلق من العدم في مخيمات اللجوء

محمد أحمد ترابي/ العودة

هم أطفال كباقي أطفال العالم، لهم أحلامهم التي يرسمونها في مخيلاتهم، والتي يتمنون تحقيقها في أيامهم القادمة، ولكن عندما يكون الحديث عن أطفال يعيشون حياة اللجوء، ستكون الأحلام مختلفة، والتحديات لن تتلاشى بتوفير الإمكانات فقط، لكن بوجود إرادة حقيقية للخروج من عتمة الأزقة والبيوت المتهالكة التي أرهقتها سنوات اللجوء، بل أن يرسم طفل المخيم أحلامه هو وحده تحدٍّ للواقع الذي يعيشه؛ فهو يخلق موهبته من العدم، في ظل ظروف معيشية توحي للناظر أن سكان تلك البيوت المتراصة مصابون بحالة من اليأس والإحباط. لكن أطفالنا الذين سنروي قصصهم هذه المرة يثبتون عكس ذلك كله.

فإلى الشرق من مدينة نابلس، وفي أكبر مخيمات الضفة، مخيم بلاطة، التقت العودة بعدد من الأطفال الذين أبدعوا وتميزوا بعدة مجالات، وقد وجدوا ضالتهم في أحد المراكز الثقافية التي تعنى بأطفال المخيمات وتنمية مواهبهم، لذلك كان مركز يافا مقصدنا لمقابلة الأطفال المبدعين.

تأسس مركز يافا الثقافي عام 1996 في مخيم بلاطة، ويضم عدداً كبيراً من النشاطات في داخله، منها الوحدة، المسرح والدراما، المكتبة الإلكترونية والمقروءة، وقد شارك في عدد من الفعاليات خارج المخيم، وفي دول عربية وأوروبية.

إبداع رغم اللجوء

لم تقف طبيعة الحياة في المخيم عائقاً أمام أحلامهم؛ فإذا تحدثت معهم ستشعر وكأنك تتحدث مع أناس بالغين راشدين، وعندما تنظر إلى وجوههم، فستتأكد أن الضحكة لا تفارقهم.

الطفلة تيماء جمال سعيد حج (11 سنة) في الصف السادس الأساسي من مخيم بلاطة، تملك عدة مواهب، منها كتابة الشعر وإلقاؤه، والتمثيل، ولعب كرة القدم، ولكن الذي يميز تيماء هو كتابتها للشعر، حيث تعدّ نفسها فيه متميزة عن الآخرين على حد قولها، فهي تمارس الكتابة منذ أن كانت في سنّ الست سنوات.

وحول موهبتها ومن يقف لجانبها ويدعهما تقول تيماء مبتهجة: "عائلتي تدعمني كثيراً، ويريدون مني أن أطوّر من نفسي، حتى أصبح شاعرة معروفة في المستقبل. أما المدرسة، فكنت أتلقى اهتماماً كبيراً من المعلمة التي كانت تدرسني اللغة العربية، وكانت تشجعني دائماً على قراءة الشعر والقصائد باستمرار".

تتمتع تيماء بموهبة الإلقاء الجميل للقصائد، حتى إنها كانت الطالبة الوحيدة في صفها المتميزة بذلك، وتقول: "كانت الطالبات يطلبن من معلمتي أن أقرأ لهم الشعر والقصائد داخل الصف".

وترى تيماء أنّ مركز يافا هو المكان الوحيد الذي يمنحها السعادة داخل المخيم، والذي تخرج فيه موهبتها أمام الجميع، وتسعى إلى تطويرها من خلال المشاركة بالفعاليات التي ينظمها المركز.

ولم تنسَ تيماء أن تذكّر بأصلها والبلد الذي هاجر جدها منه، حيث قالت بصوت عال: "بلادي هي أراضي الـ48، لا المخيم، وأتمنى أن نعود يوماً إلى عكا وحيفا التي هُجِّرنا منهما، ولن أنسى هذه البلاد الجميلة حتى في ما أكتبه وألقيه من القصائد".

أما نديم عماد أبو وردة (16 عاماً)، فقد كان الحديث معه ذا نكهة خاصة، لما يمتلك من مواهب كثيرة، أبرزها الدراما والمسرح، حيث اكتشف موهبته وطورها من خلال تفاعله مع أنشطة مركز يافا في مخيمه، والذي أتاح له القدرة على معرفة ميوله وشارك في العديد من العروض المسرحية في قلقيلة، سلفيت، جنين، مخيم طولكرم وغيرها من الأماكن.

ولا تقتصر موهبة نديم على التمثيل، بل إنه يشارك في إعداد المسرحيات، منها مسرحية "أيدينا صغيرة وأحلامنا كبيرة" التي كانت من إعداده، وشارك بتمثيلها وعرضها في الدانمارك، وتتناول أحداثها الواقع الذي عاشه أطفال المخيم إبان انتفاضة الأقصى.

وعلى الرغم من الصعوبات التي يعيشها داخل المخيم، إلا أنها لم تقف يوماً أمام طموحه وأحلامه، حيث قال لـ"العودة": "الواقع الذي أعيشه علمني مواجهة المشاكل وأية معوّقات أواجهها، كذلك إن قرب عائلتي مني ودعمها لي لجانب الدعم الذي أتلقاه من أساتذتي بالمدرسة جعلني قادراٌ على مواجهة جميع التحديات داخل المخيم".

المخيم ليس مستقبلنا

أما فرح فايز عرفات (13 عاماً)، التي تحظى بشيء كبير من اسمها، فقد وجدت في الدبكة الشعبية وإلقاء الشعر والغناء والتمثيل مكاناً لصبّ طاقتها وصقل شخصيتها وتنمية موهبتها، ولكنها تسعى إلى تنمية موهبة الغناء لديها، فهي تجد نفسها – كما تقول - من خلاله، وخاصة أنّ الجميع يشجعونها، وخاصة الأقارب الذين يقطن معظمهم في "قطاع غزة"؛ فهي عندما تتحدث معهم عبر الهاتف ـ كما قالت ـ "يطلبون منها الغناء في كل مرة؛ لأنها تمتلك الصوت الجميل". أما عن دور الوالدَين في مساندة فرح عرفات، فقالت: "بابا حكالي، لما تكبري رح خليكي تكملي مشوارك". ذلك الأمر الذي جعل "فرح" تستمر في المشاركة في جميع النشاطات التي يقوم بها "مركز يافا".

أما عن النشاطات التي قامت بها فرح عرفات فقالت: "شاركت في الغناء والدبكة خارج المخيم، وخاصة في تركيا، وشاركت في يوم الطفل الفلسطيني وبرنامج بيت بيوت، من خلال تقديم فقرات غناء، حيث بثّ على تلفزيون فلسطين وشاهده الجميع الناس".

وعن طبيعة الحياة في مخيم بلاطة قالت مرح: "هذا المخيم ليس لنا، وليس مستقبلنا، حياتنا ليست حياة داخله، نحن بلدنا يافا وسنعود إليه إن شاء الله".

ضياء أسامة فوزي زياد (12 سنة)، صاحب موهبة "الدانس" الذي يعتمد على صياغة الجذوع، وهو رقص عالمي، حيث يكتسب ضياء مهارات الدانس من خلال مدربين من الخارج " لندن والدانمارك" من خلال تدرّبه في مركز يافا بمخيم بلاطة.

وعند التطرق إلى دور الأهل والمدرسة في دعمه، قال بروح مرحة: "لا اعتراض من أهلي على رقص الدانس، حيث إنهم يشجعونني على الذهاب إلى المركز للتدرب، كذلك فإن الأساتذة يساندونني ويجعلونني أمارس رقص الدانس في المدرسة أيضاً".

بدورها، أشارت مديرة الشؤون الداخلية في مركز يافا فريال سعيد خروب، إلى أن المركز يهتم بتنشئة الأطفال الذين لديهم بعض المواهب والتركيز على العديد من البرامج والمشاريع، ومنها مشروع صوتنا والناشئ، والتركيز على ثقافة العودة التي تمثل بالعودة إلى أراضي الـ48 التي هُجِّروا منها، وأيضاً مشروع "من أين نحن، أين نسكن، كيف سوف نعود، الذي يعمل على توعية الأطفال على ما حصل لهم، حتى انتهى بهم الحال داخل المخيمات، وعلى أن أراضيهم الأصلية هي أراضي الـ48. أما برنامج "التوثيق"، فهو من أهم البرامج كما قالت؛ إذ يقوم على طريقة التلقين من قبل الذين عاشروا أيام النكبة وشرحها للأطفال".

ولفتت إلى عدد الأطفال الذين يشاركون في المركز، فقالت: "إن أعمار الاطفال تراوح ما بين سن 6 إلى 17 سنة، وعندما يكون هنالك بعض المشاريع يكون عدد الأطفال المشتركين من 200- 300 طفل، أما عند وجود مشاريع مشتركة مع بعض المدارس، فإن العدد يفوق ما يقارب 3 ألاف طفل، وإن معظم الأطفال لديهم مواهب متنوعة، منهم مَن يدخل تحت برنامج المسرح والدراما، ومنهم إلى المكتبة، حيث نجعلهم يذهبون حسب ميولهم ورغباتهم".

ومركز يافا مؤسسة أهلية تعتمد على التمويل الذاتي والمشاريع التي تقوم بها، وذلك لتلبية الاحتياجات الأساسية للأطفال في المركز، وهو كما قالت الخروب المتنفس الوحيد للأطفال في المخيم، يوفر لهم كل شيء، إضافة إلى وجود اختصاصيين نفسيين، وذلك للقدرة على التعامل مع الأطفال وفهمهم، إضافة إلى الدعم المعنوي الذي يتلقاه الطفل من عائلته للمشاركة في النشاطات داخل المركز، حيث يوفر المركز "المنح المجانية" للطلبة الذين يحصلون على معدل 90 في مرحلة "التوجيهي"، حتى تتسنى لهم الفرصة لإكمال دراستهم.