مجلة العودة

في مخيم الشاطئ... رمضان بنكهة "الوجع"

في مخيم الشاطئ... رمضان بنكهة "الوجع"
العودة - غزة

ما إن تهبّ نسمات شهر رمضان على مخيم الشاطئ في غـزة، حتى يُغمض الحاج أبو أنور  رضوان (65 عاماً) عينيه عائداً بذاكرته إلى الوراء، إلى حيث الحنين، إلى بلدته الأصلية في يافا، والشوق إلى أجواء الفطور والسحور هناك في ليالي رمضان.
وتجيش في ذاكرة أبو أنور مشاعر احتلت أذهان آلاف اللاجئين في مخيم الشاطئ، الذين يستقبلون شهر رمضان في ظل ظروف معيشية صعبة وقاهرة.
فبعيداً عن الحنين والشوق إلى الديار والأرض التي هُجِّروا منها، يصافح رمضان أهل المخيم وهم يشتكون من أوضاعٍ إنسانية قاسية يزداد سوؤها يوماً بعد يوم.
ويطل رمضان هذا العام على مخيم الشاطئ ببيوته المتلاصقة وشوارعه التي تكاد تتسع لمرور شخص واحد في ظل الانقطاع الدائم للتيار الكهربائي.
ومخيم الشاطئ الواقع غرب مدينة غزة على ساحل البحر من أكثر مخيمات القطاع فقراً واكتظاظاً، ما جعل الكثيرين يُطلقون عليه اسم "علبة السردين"، لما يحمله من وجـعٍ وآلام.
وعلى مساحةٍ لا تزيد على 800 متر مربع، يؤوي مخيم الشاطئ في قطاع غزة ـ بحسب أحدث الإحصاءات الفلسطينية ـ 90 ألف مواطن يعيشون في اكتظاظ وفقر شديد على مساحة لا تتجاوز كيلومتر مربع واحد.
أبواب الخير
وفي شهر رمضان يطل المخيم بتفاصيله ليكون شاهداً حياً على وجع اللاجئين الذين يحلمون بالعودة إلى الديار والوطن وأن يعودوا إلى أرضهم التي هُجِّروا منها.
وكما كل عام، يأمل أهالي مخيم الشاطئ أن يزورهم رمضان وقد تحسنت أحوالهم وودّعوا معاناة المخيمات وعذاباتها.
وانعكست أوضاع المخيم الصعبة على استقبال اللاجئين هناك في المخيم؛ إذ غابت مظاهر استقبال شهر رمضان الكريم، وبدت المحال التجارية الصغيرة في المخيم أشبه بلوحة صامتة.
وعلى جانب إحدى الطرق، تحدث الحاج أبو أنس هنية (66 عاماً) عن رمضان هذا العام وكيف يأتي في ظل الأوضاع المعيشية الصعبة، ومضى يقول في حديثه لـ"العودة": "في كل رمضان، وما إن تهلّ نسائمه، حتى نبدأ باستعادة شريط رمضان أيام زمان وترتفع أكفنا إلى السماء تضرعاً لله لتخفيف معاناتنا وآلامنا. رمضان وراء رمضان يمر علينا ونحن في المخيم نعاني المرارة والتشرد".
ويلتقط جاره أبو أحمد (65 عاماً) طرف الحديث ليواصل: "إذا كان هم أهالي غزة المحاصرين واحداً، فإن الهم هنا همين؛ فاللاجئ يعيش الفقر وآلامه، كذلك فإنه يعيش مرارة التشرد والبعد عن الأرض".
وكم يحلم الحاج أبو رأفت السوافيري (75 عاماً) بأن يرجع إلى دياره وأن يصافح المسجد القديم ويصلي التراويح هناك، وأضاف بصوت الحسرة: "كنا نذهب إلى المساجد القديمة نصلي ونعتكف، ونتسامر مع الجيران والأقارب. كانت أجواء حميمية جميلة. اليوم نفتقد إلى هذه الأجواء وإلى طقوس التكافل. كنا نزرع أرضنا بالخضار وبكل ما تشتهيه الأعين. نزرع مما نأكل، ونعيش بهدوء اليوم. كل شيء تغير، وباتت الحياة صعبة وقاسية.
ويُشير بيده إلى بيوتٍ لا تتجاوز مساحة الواحد منها ثمانين متراً، ويقطن فيه أكثر من عشرين فرداً. واستدرك بالقول: "نعتمد على المساعدات وعلى أهل الخير... الفقر في ازدياد، ومعدلات البطالة لا تتوقف".
أن تتحسن الأحوال
ويعتمد سكان المخيم، كما باقي اللاجئين الفلسطينيين، على المساعدات التموينية التي تقدمها لهم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا" لمساعدتهم على التغلب على ظروفهم المعيشية الصعبة الناتجة من البطالة والفقر المدقع الذي ينتشر في قطاع غزة.
وقد تعيش أسرة بكاملها في غرفة واحدة وتنام وكأنها في علبة سردين، فيما تزداد حياتهم مع ارتفاع درجات الحرارة بؤساً وتشتد ألماً.
ويعاني أبناء المخيم عدة مشاكل، في مقدمتها مشكلتا الاكتظاظ السكاني وضيق المسكن وانعدام التمدد العمراني الأفقي.
وهناك العديد من المشاكل الأخرى التي يعانيها السكان مثل: مشكلة مياه الشرب؛ إذ إن المياه مالحة وملوثة، ولا تصلح للاستخدام البشري، إضافة إلى انقطاعها المتكرر خلال فصل الصيف، وكذلك انقطاع التيار الكهربائي الذي يفاقم معاناتهم خلال فصل الصيف.
ووفقاً للإحصاءات الفلسطينية، يقدر عدد اللاجئين في قطاع غزة بـ1,1 مليون نسمة، أي ثلاثة أرباع السكان، ويقطنون ثمانية في مخيمات مخيم الشاطئ ثالثها من حيث الكثافة السكانية بعد مخيمي جباليا شمالاً ورفح جنوباً.
وينحدر معظم سكان مخيم الشاطئ من مدن جنوب فلسطين وقراه وبلداته مثل: الجورة وحمامة والمجدل وهربيا والفالوجا، والقليل من مدن الشمال مثل: يافا وحيفا.
ويشكو أهالي المخيم انعدام القدرة على التمدد العمراني الأفقي، الأمر الذي اضطر الكثير من السكان بسبب ضيق المسكن وزيادة عدد أفراد الأسرة إلى هدم منازلهم الأسبستية وبناء منازل من الأسمنت من عدة طبقات على أنقاضها.
ويتمنى الحاج أبو رفعت البنا (73 عاماً) أن تتحسن الأحوال إلى الأفضل، غير أنه يستدرك بأسى: "للأسف، نستقبل رمضان هذا العام وقد ازدادت الأمور سوءاً؛ فالوضع لا يطاق،  المياه لا تصلح للشرب، والكهرباء مقطوعة على الدوام، والمخيم يعاني فقراً شديداً يعتمد معظم السكان فيه على المساعدات من الجمعيات الخيرية وميسوري الحال".
ويشتهر مخيم الشاطئ بسوقه الشعبيّ الذي يُعدّ ملاذاً لأبناء المخيم وحتى لأهالي مدينة غزة لما يحتويه من احتياجات مختلفة من طعام وشراب. غير أن الأسعار المعقولة لم تعد في متناول أهل المخيم بحسب تأكيد الحاجة أم رمضان (55 عاماً) التي أكدت أن شهر رمضان يحتاج إلى ميزانية خاصة لا يمكن أهل المخيم أن يتحملوا تبعاتها".
وتُشير أم رمضان بيدها إلى هنا وهناك قائلة: "انظري حولك، شتى أصناف المأكولات الرمضانية تتكدس ولا أحد يقترب مهنا؛ فهذا فقير عاطل من العمل لا يملك دخلاً، والثاني راتبه لا يكفي لإطعام عائلته الكبيرة".
محرومون
ومع ارتفاع درجات الحرارة ولهيب الشمس يتذمر أهالي المخيم من انقطاع الكهرباء، فبصوت الضجر قالت الحاجة أم أنس (55 عاماً) إن الأمر زاد عن حده كثيراً وإن أجساد الصغار والكبار لم تعد تحتمل حرارة الجو، وتستدرك بالقول: "محرمون حتى شرب ماء بارد يروي عطشنا طوال اليوم".♦