مجلة العودة

فلسطينيو لبنان: التحركات الفلسطينية ضد الأونروا في لبنان - رأفت مرّة

التحركات الفلسطينية ضد الأونروا في لبنان
اعتصامات واحتجاجات بهدف التغيير قد تصل لحد الثورة
 

رأفت مرّة/ بيروت

نزل آلاف من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان إلى الشوارع، واعتصموا أمام مقر منظمة الأونروا في بيروت، وأغلقوا الممرات الرئيسية في مناطق صور وصيدا وبيروت والبقاع، فيما ستمتد الحملة إلى منطقة الشمال.

وهذه الفترة شهدت أكبر حملة على الأونروا في لبنان، رغم مرور أكثر من ستين عاماً على تأسيسها.
ولم يحصل أن نزل اللاجئون الفلسطينيون في لبنان بمثل هذه الأعداد، وطوال أيام لإغلاق مكاتب الأونروا في طول لبنان وعرضه.

وتزامنت هذه الحملة مع بروز خلل في دور الأونروا وأدائها في هذه الفترة، حيث اهتزت المخيمات الفلسطينية في لبنان على وقع أخبار عن وفاة ثلاثة فلسطينيين في المستشفيات أو على أبوابها بسبب عدم توافر أسرّة أو عدم توافر العلاج.

كذلك جاءت هذه الاعتصامات مع ازدياد معاناة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان من امتلاء المقابر وعدم وجود مقابر جديدة لدفن الموتى، وهذا أمر تعانيه المخيمات في مناطق صور وصيدا وبيروت والشمال.

وأخيراً كثرت المعلومات المتناقلة عن ازدياد مستوى الفساد والرشاوى داخل منظمة الأونروا.

فالمدير العام للأونروا في لبنان سلفادور لمباردو الذي شغل موقعه منذ قرابة عامين، وعد بإجراء إصلاحات داخل الأونروا، وتحسين مستوى الخدمات المقدمة للاجئين، وخاصة الرعاية الصحية.

لكن بعد مرور أكثر من عام على هذه الوعود، لم يحصل أي تطور في أداء الأونروا، ولم يلمس اللاجئون الفلسطينيون أي تحسن في الرعاية الصحية والنظافة والتعليم.

كل ما قامت به الأونروا يصنف في دائرة نقل الخدمات من عنوان لآخر، وتحسينات شكلية جيدة في المصطلح، أما المضمون فهو فارغ تماماً.

ومـــــــا زاد مــــــن ردود الفـــعـــــــــــل الغاضبة للاجئين الفلسطينيــــين أن الأونـــروا لم تقـــم بأي خطوة عملية لتحسين الأوضاع في مخيم نهر البارد. فالإعمار لم يتم رغم مرور أربع سنوات على البدء فيه، وأموال الإعمار المرصودة حالياً التي هي منذ عامين في حدود 120 مليون دولار تتبخر بين مرتبات ونفقات إدارية ورشوة، وحتى اليوم لم تُسلَّم 500 منزل وعدت الأونروا بالانتهاء منه.

الواقع الفلسطيني

وجاءت هذه الاعتصامات في ظل واقع صعب يعيشه اللاجئون الفلسطينيون في لبنان. فهؤلاء انتظروا طويلاً أن يحصلوا على حقوقهم من الدولة اللبنانية، لكن بعد نقاش طال أكثر من عام وانتهى إلى تعديل قانون العمل في المجلس النيابي تبين بعده أنه قانون فارغ وأنه يحسن سمعة الدولة اللبنانية قليلاً أمام الرأي العام والمنظمات الدولية والإنسانية فقط، ولم يثبت له إلى الآن أي مفاعيل إيجابية على واقع العمال الفلسطينيين أو على المجتمع الفلسطيني.

وأدى غياب مرجعية فلسطينية واحدة إلى ازدياد معاناة اللاجئين الفلسطينيين، حيث فشلت الجهود في إقناع الجهة التي تحتكر التمويل والتمثيل الرسمي في قبول التغيرات الفلسطينية الحاصلة والتخلي عن سياسة الهيمنة والاحتكار.

والأسوأ من ذلك أن منظمة التحرير الفلسطينية حاولت إجهاض التحركات الشعبية ضد الأونروا، لكن كل هذه المحاولات فشلت. فقد حاولت المنظمة الضغط باتجاه تحويل الاعتصامات الطويلة إلى اعتصامات محدودة، والاعتصامات الشعبية الحاشدة إلى اعتصامات رمزية، وضغطت المنظمة على مجموعات شعبية لإجبارها على الابتعاد عن الاعتصامات التي تردد أن حماس وحلفاءها يقومون بها، وفشلت هذه المساعي أيضاً.
ولم تكتف منظمة التحرير بذلك، بل أصدرت بياناً يشيد بأداء المدير العام للأونروا سلفادور لمباردو، وإن أتى البيان على ذكر مطالب اجتماعية.

ماذا حصل؟!

كان شهر آذار (مارس) الماضي عنواناً لتحرك شعبي كبير ضد الأونروا في لبنان. وأخذ هذا التحرك المواصفات أو الخصائص الآتية:

الاعتصامات كانت شاملة، شارك فيها الرجال والنساء والشباب والشابات والأطفال.

امتدت على بقعة جغرافية واسعة وغطت كل المخيمات الفلسطينية في لبنان، وكانت المشاركة الشبابية واسعة جداً وحيوية.

شهدت الاعتصامات شجاعة في التعبير عن الآراء والمطالب، ورفعاً للصوت بشكل قوي في مواجهة الأونروا، وصلت إلى حد محاولة المتظاهرين اقتحام المقر العام للأونروا في بيروت، غير أن المنظمين منعوهم.

تميزت الاعتصامات وأيام الإغلاق المتواصلة للمقارّ بإحضار الأهالي والعائلات مرضاهم الذين على فراش الموت، للمشاركة في الاعتصام، في إشارة إلى الموت المحتوم لكل مريض فلسطيني.

حظيت الاعتصامات بتغطية إعلامية لبنانية مهمة، ونقلت المحطات المرئية المحلية والفضائية والصحف والمواقع الإلكترونية المطالب والمعاناة، الأمر الذي أسهم في نقل الرسالة وإيجاد ضغط مناسب.

قراءة سياسية اجتماعية

في قراءة للاعتصامات وإغلاق المقارّ يمكن تحديد الملاحظات والاستنتاجات الآتية:

1- بروز رغبة وإرادة حقيقية عند اللاجئين الفلسطينيين في لبنان لتغيير واقعهم وتحسين أوضاعهم، وإحداث تحول في مستوى حياتهم الاجتماعية.

2-شعور اللاجئين بأن زمن السكوت ولى، وزمن الصمت انتهى، وأن رفع الصوت ونيل المطالب لا بد أن يبدآ بالوسيلة المناسبة.

3- تأثر اللاجئين الفلسطينيين في لبنان بالثورات العربية، وبمناخ التغيير الذي يحدث في أكثرمن دولة عربية. وإذا انتفضت شعوب عربية على السلطات فيها، فإن اللاجئين الفلسطينيين في لبنان سينتفضون على الأونروا بصفتها المسؤولة الأساسية عن حياتهم والخدمات التي يحصلون عليها.

4- الثورة الجماهيرية أو«الانتفاضة» بكلام أصح كانت على الجهة المسؤولة مسؤولية أكبر عن معاناة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان. فالأونروا مسؤولة عن الصحة والتعليم والإغاثة والنظافة، ومعظم معاناة اللاجئين تأتي من هذا المصدر.

5-الاعتصامات والإغلاقات كانت بهدف توجيه رسالة، وإبلاغ جميع المعنيين بالأمر بانطلاق إشارة التغيير.

6- المطالب التي رفعها اللاجئون تتمحور حول مطالب أساسية وليست ترفيهية، فهم يريدون خدمات صحية وتعليم وإعادة نظر في كل أداء الأونروا في لبنان.

7- لقد اعتبر المعتصمون أنهم وجهوا إشارة من التحركات ضد الأونروا وهم ينتظرون سماع الجواب.

ردود الفعل

ردود الفعل على الاعتصامات الفلسطينية ضد الأونروا جاءت إيجابية ومثمرة.

وتشير الوقائع إلى الآتي:

1- ارتياح وتعاطف شعبي فلسطيني كبير مع الاعتصامات وأهدافها وغاياتها، ومع مطالب الأهالي.

2- بروز تعاطف إعلامي لبناني واضح واهتمام إعلامي دولي.

3- اهتمام ديبلوماسي أوروبي واسع، وخاصة من جهات متبرعة للأونروا. وهناك أنباء عن تحرك ديبلوماسي ما باتجاه الأونروا.

4- وقوع أزمة داخل الأونروا بين مسؤولين في الإدارة على خلفية الاعتصامات، واتساع دائرة الشكوك حول الفريق العامل مع المدير العام والفساد المنتشر عند كبار الموظفين.

لماذا وإلى أين؟!

أما لماذا نجحت الاعتصامات وإلى أين ستتجه، فالإجابة أن الاعتصامات نجحت للأسباب الآتية:

1- إنها اعتصامات تعبّر عن حاجة مطلبية وعن خدمات ضرورية ملحة.

2-إنها اعتصامات أهلية، تقوم بها مؤسسات إنسانية أهلية ولجان شعبية ومنظمات مجتمع مدني، وإن كانت بقوة من تيار فلسطيني إسلامي مقاوم.

3-إن التحرك يقوم به ائتلاف شعبي سياسي واسع يمتد على مساحة كل المخيمات الفلسطينية في لبنان، ويشارك في إدارته مجموعة من الخبراء، وهو لن يتوقف حتى تحقيق أهدافه.