مجلة العودة

فلسطينيو لبنان: تضحيات اللاجئين تفتح الطريق لمسيرات قادمة - رأفت مرّة

قراءة في مسيرة العودة في ذكرى النكبة
تضحيات ومعنويات مرتفعة تفتح الطريق لمسيرات قادمة
 

رأفت مرّة/ بيروت

فقد سجّل اللاجئون الفلسطينيون في لبنان إنجازاً سياسياً وشعبياً وإعلامياً ضخماً، حين قاموا بتنظيم مسيرة، سُمّيت مسيرة العودة أو مسيرة الزحف، إلى حدود فلسطين المحتلة. وشارك فيها ما يقارب خمسين ألف لاجئ من مختلف الأعمار، ازدحمت بهم طرقات الجنوب اللبناني، وزاد عدد الحافلات العامة التي نقلتهم عن 1700 حافلة، غصّت بها طرقات بلدات جنوب لبنان، لدرجة أن الحافلات امتدت إلى مسافة سبعة كيلومترات بعيداً من منطقة الوصول. مسيرة العودة في ذكرى النكبة كانت من الأهمية بمكان لنقف معهما من جديد.

وأجمعت الجهات المتابعة على دقّة التنظيم وعلى ضخامة الحشد، إذ تشير المعطيات إلى أن نحو 20% من اللاجئين المقيمين في لبنان ذهبوا إلى بلدة مارون الراس، وهو رقم كبير لم تقدر الجهات المنظمة على استيعابه، لذلك سار آلاف الرجال والنساء والفتيان مسافة لا تقلّ عن تسعة كيلومترات صعوداً على الجبال حتى تمكّنوا من الوصول.

نتائج

هذا اليوم المميز الذي نجم عنه ارتقاء ستّة من أبناء اللاجئين الفلسطينيين في لبنان إلى العلا شهداء، سجّل النتائج الآتية:

1- أكد اللاجئون الفلسطينيون في لبنان تمسّكهم بحقّهم الكامل في العودة إلى ديارهم التي هُجّروا منها عام 1948، وخاصة أن اللاجئين الفلسطينيين في لبنان هم من سكان المناطق الشمالية في فلسطين، ويمكن أن يشاهدوا قراهم من الحدود اللبنانية.

2- وجّه اللاجئون الفلسطينيون رسالة واضحة للعالم، مفادها أنهم لاجئون يحق لهم العودة إلى ديارهم، وعلى العالم أن يتضامن معهم ويساعدهم على ذلك من خلال تطبيق القرارات الدولية.

3- أثبت اللاجئون الفلسطينيون أنهم مستعدون لدفع أغلى التضحيات، ولتحمّل الخسائر والمصاعب والآلام من أجل العودة إلى ديارهم، وأن حياتهم رخيصة فداء لحقّهم في العودة.

4- أثبت اللاجئون الفلسطينيون أنهم يرفضون كل مشاريع التوطين والتهجير والترحيل، وأكدت الدماء التي سالت في مارون الراس والتضحيات التي بُذلت أن اللاجئين دفنوا مشاريع التوطين إلى الأبد، وأنه بعد مسيرة العودة في ذكرى النكبة أصبح من المعيب أن تصدر أصوات مزعجة من هنا وهناك تتحدث عن التوطين.

أبعاد مهمة

هذه الدروس والنتائج التي تحقّقت على مستوى اللاجئين، قابلتها نتائج مهمة على الصعيد الدولي، ومن هذه النتائج:

1- أثبت اللاجئون الفلسطينيون أنهم قوة استراتيجية في المنطقة، وأنهم لاعب أساسي في معادلة الصراع، وأن قضيتهم لا تزال أهم وأصعب وأعقد قضية.

2- إن قضية اللاجئين بعد قضيّتي الأرض والقدس، هي من أكثر القضايا التي تجمع اللاجئين الفلسطينيين وتوحّدهم وتحرّك عقولهم ومشاعرهم.

3- عن الوحدة الوطنية التي ينشدها الفلسطينيون وقضية الدفاع أو التمسّك بالثوابت الفلسطينية، تجّلت بأبهى صورها في مسيرة العودة. هذا الأمر يجب أن يكون معروفاً ومفهوماً من الجهات الفلسطينية التي تتفاوض مع الاحتلال. وفي ميزان الأرباح والخسائر ظهر واضحاً أن مسيرة العودة من لبنان وسوريا حقّقت نتائج إيجابية ملموسة، ووجّهت ضربات قوية للاحتلال، عجزت كل مشاريع التفاوض و وخطواته وجلساته عن تحقيقها.

معنويات واحتفالات

مسيرة العودة من لبنان إلى فلسطين المحتلة عبّأت المجتمع الفلسطيني في لبنان، وشحنت نفوس اللاجئين، ورفعت من معنوياتهم.

وتشير المعطيات إلى أن عدد الذين بقوا في مخيماتهم ولم يستطيعوا إيجاد باصات تقلّهم إلى الحدود يزيد عن عشرة آلاف لاجئ.

ويروي شهود عيان وإعلاميون ومسعفون في مارون الراس أن الاحتلال الإسرائيلي تعمّد إطلاق النار على المتظاهرين، ولم يتراجع أي لاجئ فلسطيني إلى الخلف، وكلما استشهد واحد أو أصيب آخر كان عشرات الشباب يندفعون إلى المكان، الذي كان فيه أيضاً عشرات الفتيات، وكان عبارة عن حقل ألغام أُزيل أكثر من ثلاثة عشر لغماً من تحت أقدام المتظاهرين.

أما تشييع الشهداء فكان عبارة عن أعراس ومسيرات احتفالية كبرى، فالآلاف ساروا في كل موكب، واللاجئون نسوا همومهم المعيشية وواقعهم الإنساني الصعب وأوضاعهم الاقتصادية وساروا يحتفلون بالشهداء. وما إن انتهت فعاليات التشييع وإسعاف الجرحى حتى بدأت الاستعدادات لتنظيم مسيرة يوم النكسة إلى حدود فلسطين.

هذه الأبعاد السياسية والإعلامية والشعبية التي تحققت، وهذا الجو الإقليمي والدولي ساهم في تحريك الولايات المتحدة والأمم المتحدة لمنع تنفيذ مسيرة أخرى في ذكرى 5 حزيران (يونيو) بسبب الحرج الذي وقع فيه الاحتلال، حيث دأب كل من الممثل الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة في لبنان مايكل وليامز وسفيرة الولايات المتحدة في بيروت مورا كونيللي وموفدون أميركيون آخرون على توجيه تحذيرات لمنع المسيرة، وذلك لحماية الاحتلال.

القلق الإسرائيلي وأسبابه!

سيطر القلق والخوف على الاحتلال بسبب مسيرات يوم النكبة، فقد أوضح إيهود يعاري، المعلق في القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي، أن في هذه الذكرى تحقق كابوس الرعب الذي ظلّ يخشاه الكيان الصهيوني على مدى عقود من الزمن ولم يتحقق، مشيراً إلى أن (إسرائيل) ظلت تخشى منذ وضعت حرب عام1948 أوزارهامن توجه جماهير اللاجئين الفلسطينيين الذين شردوا من أرضهم إلى حدود فلسطين، للمطالبة بتنفيذ قرارات الشرعية الدولية المتعلقة بهم.

ورأى سفير دولة الاحتلال الأسبق في الأمم المتحدة دوري غولد، أن الأحداث التي شهدتها ذكرى النكبة يجب أن تكون تحذيراً من تطورات في المستقبل لقضية اللاجئين الفلسطينيين. وتوقع غولد أن يستثمر الفلسطينيون المزيد من الجهود والطاقات في المستقبل، لتضييق الخناق على «إسرائيل»، وتقليص هامش المناورة أمامها.

بدوره، قال رئيس الحكومة الصهيونية إنه يأسف لإقدام العرب على تحويل يوم استقلال «إسرائيل» إلى مناسبة يقرعون فيها طبول الحرب، ويقول إن تظاهرات الأحد دليل على أن المعركة هي على وجود «إسرائيل»، وليس من أجل حدود 67 فقط. أما المحلل في صحيفة «هآرتس» ألوف بن فقال إن ما حدث بمثابة أمر جديد لم يمر على الكيان من قبل, مضيفاً أن «الثورات العربية دقت باب (إسرائيل) لأول مره منذ 63 عاما». ويرى جدعون ليفي، المعلّق الإسرائيلي البارز، أن تحرّك اللاجئين الفلسطينيين أعاد الدولة العبرية للمربع الأول، الذي اعتقدت أنها غادرته منذ زمن، مشيراً إلى أن قادة (إسرائيل) أدركوا في حقيقة الأمر الصورة التي نظر بها العالم لهذا التحرك؛ «فالدماء التي سالت على الحدود بين فلسطين وكل من لبنان وسوريا وفي غزة والضفة الغربية قد ذكّرت العالم بأنّ هذا الكيان قائم في الواقع على الأراضي التي شرد منها أجداد هؤلاء الشبان وآباءهم، ولا مبرر أخلاقياً لأن يطلب أحد ما من هؤلاء التعايش والتطبّع مع واقع التشرّد والظلم الذي يعيشونه حالياً». هذا هو الواقع الذي يعيشه الاحتلال، أما أسباب هذه الأزمة فتتلخص في أن اللاجئين لديهم قضية إنسانية عادلة، وأنهم يجتمعون بعشرات الآلاف، وأن وسائل الإعلام العالمية تغطي هذا التحرّك، وأن الاحتلال الذي يدّعي أنه دولة عصرية ديموقراطية يطلق الرصاص الحي المباشر بهدف قتل اللاجئين الذين هجّرهم قسراً من بلدهم.

وأكثر ما يزعج الاحتلال هو التوقيت، فمسيرات العودة جاءت في زمن الثورات العربية، حيث بدأت أكثر من دولة تتبجّح وتدّعي أنها مع حق الشعوب في التعبير عن رأيها وفي التظاهر، وفي تقرير مصيرها بنفسها، وأن هذه الدول تدعم ثورة الشباب ومطالبهم وتحارب إطلاق الرصاص عليهم، فلماذا لا تطبّق هذه النظريات على الكيان الصهيوني؟!

خلاصة

يمكن القول إن مسيرات العودة في ذكرى النكبة من سوريا ولبنان حقّقت أهدافها وأوصلت رسالتها، وأن التدخّل الدولي لمنعها، وبهذا الحجم، هو دليل على نجاح هذه المسيرات في إيصال صوتها وفي إحداث أزمة للاحتلال. لذلك، هذه المسيرات هي من الإنجازات النوعية للاجئين، التي يجب أن تستمر بغض النظر عن المكان والزمان. فإذا تعذّر تنظيم مسيرة في 5حزيران (يونيو)، فلتكن هناك مسيرات أخرى في أوقات وأزمنة أخرى، ولتستمر المحاولات حتى سقوط هذا الكيان وتحقيق هدف العودة.