مجلة العودة

قراءةفي كتاب ّ_قرية غوير أبو شوشة: بين ألم الفراق وأمل العودة

قرية غوير أبو شوشة:   بين ألم الفراق وأمل العودة
 
 
  صدر حديثاً عن دار "صفحات للدراسات والنشر" كتاب: قرية غوير أبو شوشة بين ألم الفراق وأمل العودة لمعدّه ماهر حسن شاويش، في طبعته الأولى 2011م في دمشق، ويضمّ الكتاب 135 صفحة من القطع العادي، وجاء إصداره برعاية تجمّع العودة الفلسطيني "واجب"، وقدّم له كلّ من ماجد الزير رئيس مركز العودة الفلسطيني بلندن، و صلاح صلاح عضو المجلس الوطني الفلسطيني، و حسن محمد شاويش والد الكاتب، وتضمّن الكتاب الفصول التالية: الموقع والتاريخ – الآثار في القرية – المظاهر الطبيعية – السكان – النشاط البشري – الحياة الاجتماعي – التراث والفلكلور الشعبي – الانتداب البريطاني – سقوط القرية – القرية ما بعد نكبة عام 1948م.

  احتوى الكتاب على شهادات حيّة من أناس ولدوا وعاشوا في قرية غوير أبو شوشة قبل عام 1948م ، منهم من احترف الزراعة ومنهم احترف الرعي والتجارة، ومنهم من امتهن حرفة صيد السمك من بحيرة طبرية والأودية الغزيرة، فكانت الشاهدات حيّة نابضة، تشمّ منها عبق الأرض، وصفاء وعذوبة مياه بحيرة طبريّة في حينه، ومنهم من اقتنى الأبقار والجواميس والأغنام والإبل، وما فيها من أعشاب وطرق تداوي، وأفرد المؤلف باباً لنضال أهل القرية مع شعبهم، وتشبّثهم بالوطن، والتجربة النضالية الواعية للسكان منذ مطلع القرن العشرين، وبدايات الحرب العالمية الأولى، ومعاهدة سايكس - بيكو عام 1916م ووعد بلفور البغيض عام 1917م، وما أعقبها من انتداب بريطاني، الذي شجّع تدفّق الهجرة اليهودية لفلسطين بتخطيط من دولة الانتداب، وأشار إلى دماء الشهداء الزكيّة التي ضمّخت تراب الوطن الغالي سواء في مناوئة البريطانيين المحتلّين ومقاومة الصهاينة المتسللين الطامعين، ووضع قائمة بأسماء شهداء القرية الذين سقطوا في الثورات الفلسطينية المتلاحقة منذ عام 1936 وإلى يومنا هذا، وسلّط الأضواء على ما لاقاه الأسرى من ضيم في السجون والمعتقلات، ووصف شهود العيان معاناة الرحيل القسري والنزوح في الفيافي والقفار، وكيف أنّ هؤلاء الناس الذين كانوا ينعمون بالهدوء والسكينة في بلادهم يفلحون ويزرعون ويحصدون ويصيدون، وجدوا أنفسهم فجأة قد طُردوا من ديارهم، بخطط ظالمة حيكت بليل، لم ينفعهم صديق، ولم يرحمهم مغتصب، ومع ذلك نلمس من الشهادات تصميم الأجيال المتلاحقة على العودة إلى ديارهم وتحريرها من رجس الاحتلال الصهيوني الغاصب، وكانت مراهنة الأعداء على أنّ الأجيال التي ولدت في مخيمات اللجوء لم تر خيرات الوطن، ولم تنعم بهوائه وشمسه، فلن تهتمّ بتحريره، بل سيشغلها البحث عن لقمة العيش، وتذوب في أماكن تواجدها كالهنود الحمر، ولكن قد خاب ظنّهم، والذي حدث أنّ كلّ جيل يولد يكون أكثر تصميماً على انتزاع حقّه، وهو أشدّ مراساً من سابقه، وكلّ معالم بلاده قد تشرّبها من أبويه وأجداده، فالمثل الشعبي يقول: "من شاف أبوه سمع ما قال جدّه" وكانت الذاكرة الفلسطينية حريصة منذ البداية على تلقين النشئ الجديد تاريخ وجغرافية الوطن وما مرّ به من مجازر ومحن.

   لقد شمل الكتاب العادات والتقاليد في الأفراح والأتراح، ووصف ملابس الرجال والنساء، وتفصيلها وتميّزها، وحياتهم اليومية من خبز وطبخ وأكلات شعبية، ومساكنهم وأثاث البيوت في الصيف على التلال، ونزولهم في الغور لينعموا بدفئه في الشتاء، وعاداتهم في إكرام الضيف ورعاية الجار، وكيفية حلّ مشاكلهم، واحتساءهم للقهوة العربية وطريقة إعدادها وكيفية تناولها، وأمثالهم وأهازيجهم، لقد أضفت الشهادات الحيّــة الغنيّــــة والمتنوّعة واقعاً ملموساً علـــى وصـــف الطبيعة من جبال وتلال وأودية وينابيع، واحتفالاتهم فــي الأعياد وتوديع واســـتقــبـــــــــال الحــــجــــيــــــــــج، واحتفالات الختان وزفة العريس والفاردة ووسائل الزينة والبرزة، إنّ هذه التفاصيل والنمنمات الدقيقة تضع القارئ في جوّ حميمي يستطيع من خلاله تلمّس حياة هؤلاء الناس في بلادهم، ثمّ ينتقل إلى الوضع المأساوي الذي عاشته جموع اللاجئين في مخيمات البؤس والشقاء، إنّ هذا الألم المضني لم يُحل دون انبثاق الأمل في النصر والعودة المظفّرة.

    لقد زوّد الكاتب القارئ بقوائم تضمّ أسماء عائلات القرية وأماكن تواجدها اليوم سواء في الداخل أو في دول الطوق لبنان – سورية - الأردن أو في المهاجر الخارجية، وقوائم بأسماء الحاملين للمؤهلات العلمية الرفيعة والشهادات الجامعية، وهذا بالطبع لا يقلل من الاهتمام بأهل هؤلاء الذين سهروا على أن ينال أبناؤهم هذه المراتب، وكيف كدحوا وعملوا في ظروف استثنائية من أجل تعليم أبنائهم وإخوتهم حتّى ولو ظلّوا هم أميّين إنّه الإيثار في أجمل صوره.

كما زوّد الكتاب بوثائق تسجيل الأراضي تثبت ملكيتهم لها أيام الانتداب البريطاني، وصور لأعلام القرية من رجال مشهورين بالكرم والشجاعة من عشيرة السميري والخرانبة والتلاوية والوهيب والشمالنة والغوارنة ومن جاورهم من عشائر وفلاحين، وما تبقّى لها من آثار دارسة ومعالم باقية من طواحين ومقابر وشواهد.

   وفي الختام إنّ هذا الكتاب جدير بالقراءة والاقتناء، ويجب أن يعزز بعدّة كتب عن منطقة الغوير نفسها بتفاصيل أكثر لأننا بحاجة لكلّ شاردة وواردة ليعرف كل مواطن مكان بيت أهله وأرضه.