مجلة العودة

كلمة العودة: بعد عام على العدوان.. غـزة المحاصرة بين عـالمين

بعد عام على العدوان.. غـزة المحاصرة بين عـالمين

مرّ العام الأول على العدوان الكبير، والعام الثالث على الحصار الخانق، وما زال قطاع غزة شوكة في حلق العدو وأعوانه..

عام على العدوان والمجزرة، خرج منه القطاع مثخناً بضحايا الإرهاب والجريمة الصهيونية، كبيراً بمقاومته وشعبه وصموده، وكبيراً بالتضامن العالمي الذي أجّج شوارع الدنيا انتصاراً لأهلنا هناك.

وثلاثة أعوام مرّت على الحصار الذي قتل مئات المرضى بسبب منع الأدوية الضرورية لمستشفيات القطاع، وجوّع نحو مليون طفل مُنع عنهم الغذاء، وسجن منطقة كاملة بسكانها ومجتمعها وشعبها في معتقل كبير. وما زالت غزة صامدة، ربما كانت ضعيفة البنية، لكنها كبيرة الروح عزيزة النفس قوية الإرادة، تكبر كل يوم ألف مرة، ويصغر جلاّدوها ألف مرة.

نسجل هنا للتاريخ، أن آلاف المتضامنين العرب والأجانب قاموا بمبادرات فردية وشعبية من أجل فك الحصار عن غزة، وها هم 1400 ناشط من مسيرة «غزة نحو الحرية» الدولية لكسر الحصار يفترشون الأرض أمام سفاراتهم في القاهرة، معتصمين رفضاً لمنعهم من الدخول إلى القطاع للتضامن معه، وعُرض عليهم –حتى كتابة هذه السطور- دخول 100 منهم، غير أن منظمي المسيرة رفضوا العرض المصري.

وها هي قافلة «شريان الحياة – 3»، التي قطعت عدداً من الحدود والدول ووصلت من أوروبا إلى مصر عبر تركيا وسورية والأردن، غير أن قراراً رسمياً منعها من الدخول من هذه الطريق، وأمرهم بالعودة العكسية للوصول إلى شاطئ البحر المتوسط والإبحار من ميناء اللاذقية إلى العريش!

في أي عالم نعيش نحن اليوم، متضامنون يريدون إنقاذ المحاصَرين في غزة، فتأبى «السيادة المصرية» السماح لهم بالدخول من الطريق الأقرب، بل عليهم أن يقطعوا مرة أخرى بحرَيْن (الأحمر والمتوسط) وقُطْرين (الأردن وسورية)، للوصول إلى المكان المقصود، بعد أن كانوا على بعد أميال.

«السيادة المصرية» نفسها، فرضت بناء «جدار الموت الفولاذي» عند حدود القطاع، وضخ المياه المالحة في أرض الحدود ولكن باتجاه رفح فقط، بهدف «توحيل» التربة وتفكيك تماسكها لتنهار الأنفاق على رؤوس أبطالها.

غـزة بين عالمين..

عالم رسمي ينقسم إلى أربعة وجوه: الأول، يعلن العداء بالنار والقرارات. الثاني، ينفذ الأوامر بدقة التلميذ النجيب الذي ينطبق عليه المثل: «لا توصِ حريصاً». الثالث، يغلق جفنيه عمّا تراه عيناه أسفاً أو ندماً أو تواطؤاً أو عجزاً، أو لأنه كما تقول كلير شورت عن الاتحاد الأوروبي: «يمارس النفاق السياسي». الرابع، يرفض ما يجري ويفعل ما بوسعه لدعم فك الحصار عن القطاع، ولكن لسان حاله يقول: «بيني وبينكِ أبحرٌ وحدودُ.. وسلاح حرّاس بها وسدود».

وعالم شعبي واحد، لا أربعة، برؤية واحدة وقلب واحد وضمير واحد، وبأساليب متنوعة. فالضحية واحدة والعدو واحد والجريمة واحدة والحصار واحد، والموت له ألف أسلوب وطريقة، وتجب مجابهته بالمثل لضمان إمكانية صدّه.

غـزة المحاصرة بين عالمين: عالم رسمي تحكمه قوى الضغط المتمثلة بالاقتصاد والمصالح والسياسة واستمرارية الكرسي، وعالم شعبي تحكمه مصلحة الأمة والشعب والحق والعدل. والتناقض بينهما يزداد، والعداد يتأجج، والشرخ يتسع، وطريق الحوار والتواصل مسدود بينهما..

تلميح: يذكّر هذا بمرحلة ما بعد نكبة 1948 مباشرة، حين شهدت المنطقة عدداً من الانقلابات في أقطارها. فالأنظمة نفسها والسياسة نفسها.. ولكن أين الشعوب؟