مجلة العودة

كلمة العودة: عبثاً يحاولون..

عبثاً يحاولون..

في الشهر المنصرم، أخذت إرهاصات العنصرية الرسمية الإسرائيلية تشتدّ وتأخذ شكلها الرسمي، حيث سيتنافس وزراء اليمين طوال هذه الفترة في «الإنجازات» العنصرية من خلال قرارات تطال الوجود الاجتماعي والثقافي لفلسطينيي 48..

فقد صدر قراران عنصريان كبيران في خلال شهر واحد، أحد هذين القرارين لم تجرؤ حكومات الكيان الصهيوني منذ 61 عاماً على اتخاذه.

القرار الأول، هو إصدار وزير المواصلات الصهيوني يسرائيل كاتس قراراً بتهويد أسماء البلدات والمدن المكتوبة على اللافتات المنتشرة في الشوارع والطرقات الرئيسية، وذلك بشطب الأسماء العربية والإنجليزية، والإبقاء فقط على الأسماء العبرية، ويقتضي ذلك أن تصبح القدس فقط «يروشلايم»، وتصبح الناصرة «نتسيرت»، ولا يبقى من لافتة صفد إلا «سفاد»، ولا يبقى من عكا إلا «عكو»، ولا من الخيل إلا «حيفرون».

أما القرار الثاني، فهو إصدار وزير التربية جدعون ساعر قراراً يقضي بشطب كلمة «النكبة» من الكتب المدرسية المخصصة لتلاميذ المرحلة الابتدائية لفلسطينيي 48. رغم أن هذا المصطلح الذي أُقرّ قبل عامين يظهر بشكل هامشي جداً ولا يعكس حقيقة ما جرى عام 1948.

بالعودة إلى القرار الأول، يقول المؤرخ شكري عرّاف إنه قبل احتلال فلسطين، منذ 122 عاماً (1887)، عمل الصهاينة الأوائل، أي جنود (ما قبل) الاحتلال، على طمس أسماء القرى والمدن الفلسطينية و«عَبرنتها»، يومها أصبح اسم قرية «ملبّس» عبرياً «بيتح تكفا» أي باب الأمل، وقرية «الجاعونة» أصبحت «روش بينا» أي رأس الزاوية، وهو مصطلح توراتي.

وقد أصبح ذلك رسمياً في سنة 1922، حين شكلت الوكالة اليهودية لجنة أسماء لإطلاقها على المستوطنات الجديدة والقرى القديمة. ومنذ ذلك التاريخ حتى 1948 تم تغيير أسماء 216 موقعاً. وبعد العام 1948 حتى اليوم تم تغيير أسماء 560 موقعاً. هذا في ما يخص التغيير، أما «عَبرنة» الأسماء من دون محو السابق، فقد طالت 7000 اسم على الأقل.

العقلية الكولونيالية الصهيونية توهم المحتلّ أن حكم الشعوب وتغيير مفاهيمها سهل التنفيذ، فيظن أن تغيير أسماء الشوارع في فلسطين سوف يساهم في إذابة المجتمع ومفاهيمه تحت المظلة الصهيونية، ويخضعه لإرادتها، فتنمحي شخصيته في قوة شخصية المحتل وينحني إصراره أمام الإرهاب.

هم لا يعلمون أن زمن التغييب ذهب، وأن الفلسطيني المقهور الذي هُجّر وأُسكن في المخيمات، لم يعد وحده. فقد امتدّ وجوده ونضاله في المكان والزمان، فانتشر في زوايا الأرض وأقاصيها، وأينما ذهب تراه يحمل وطنه معه وينشط لفلسطين في حلّه وترحاله. وقد غطى انتشاره الكرة الأرضية، ولعل في الفعاليات التي شهدها مطلع هذا العام دليلاً على سعة انتشار الشتات الفلسطيني، هذا الاتساع الذي ظن العالم أنه سيُذيب الفلسطيني في مجتمعات تُنسيه وطنه، فاجأ العالم بأنه وسّع وطنه بحجم هذا العالم.

كما أن معادلة الزمان، لها دورها، فالقضية تجذّرت في أربعة أجيال طويلة لم تُنسِ الفلسطيني وطنه، وها هو الجيل الخامس يتشرب فلسطين منذ الرضاعة. وقد شارك الكثير من الأهالي في الفعاليات الفلسطينية وهم يجرّون عربات الأطفال في المسيرات والمهرجانات.

لقد فشل الاحتلال طوال 61 عاماً في نزع تمسك الفلسطيني بأرضه، فلماذا يظن أنه سينجح الآن؟ وأي ساذج سيعتقد أن نزع لافتات من الشوارع ستؤدي إلى تغيير الواقع؟ إن الذين حاولوا أن يسرقوا التاريخ وفشلوا، لن يستطيعوا سرقة الواقع أو تزييفه، وبالتالي سيفرض هذا الواقع معادلة المستقبل التي لن تكون إلا لنا ولانتصارنا وعودتنا.

لقد فشلوا في الماضي، ولن ينجحوا اليوم، والتزييف يكتبونه حبراً على ورق، أما الواقع فيكتبه دمٌ على تراب أغلى من الذهب.

ويوماً بعد يوم، تزداد الذاكرة حضوراً في وجدان الفلسطينيين مهما تعاقبت الأجيال واتسع الشتات، وعبثاً يحاولون.. ولن يفلحوا في تغييب هذه الذاكرة الممتدة جذورها في الزمان وتعاقب الأجيال. وفي المكان، وانتشار الفلسطينيين في الشتات.

رئيس التحرير