مجلة العودة

«أوسلو جديد» قبل أنابوليس!

 

عباس إسماعيل - بيروت

 

 هل يتكرر مشهد أوسلو في أنابوليس؟ وهل تكون المحادثات التمهيدية الدائرة بين الوفد الفلسطيني من جهة والوفد الإسرائيلي من جهة ثانية، بهدف التوصل إلى ورقة عمل مشتركة لطرحها على مؤتمر أنابوليس، مجرد قنبلة دخانية للتعمية على القنوات السرية للمحادثات، أو مجرد مناورات تفاوضية لحرف الأنظار عن الطاولة الحقيقية للمفاوضات؟

مناسبة طرح هذه الأسئلة تعود إلى ما كُشف النقاب عنه في صحيفة معاريف الصادرة في 5/11/2007، لجهة الحديث عن صياغة وثيقة تفاهم جديدة صيغت خلال سلسلة لقاءات سرية بين عضو الكنيست يوسي بيلين ومقربين من رئيس السلطة الفلسطينية، على رأسهم ياسر عبد ربه؛ العضو الكبير في الفريق الفلسطيني المفاوض، حيث أعرب «الفلسطينيون»، بحسب معاريف، عن استعدادهم للتنازل عن حق العودة إلى «الأراضي الإسرائيلية»، الأمر الذي يثير الكثير من علامات الاستفهام والاستغراب، لجهة التساؤل عن الجهة التي خولت المجموعة الفلسطينية المفاوضة التنازل عن حق شخصي وجماعي هو عصب الحق الفلسطيني ودليله الحي على عدالة قضيته وديمومتها! وهل تملك هذه المجموعة أصلاً حق التنازل؟! وأي منطق تفاوضي هذا الذي يجعل طرفاً مفاوضاً يُلقي بأهم حقوقه- ولا نقول أهم أوراقه- على طاولة التفاوض لخصمه بهذه الطريقة المريبة.

لعل أبرز ما يثير القلق إزاء هذه الوثيقة هو عدم صدور أي رد فعل فلسطيني رسمي، وعدم صدور أي نفي رسمي أو حتى إعلامي من قبل الشخصيات الفلسطينية التي تحدثت الصحيفة عن ضلوعهم ومشاركتهم في «هذه الخيانة العُظمى للحق الفلسطيني»، ولا سيما أن هذه الوثيقة تكتسب أهميتها القصوى من الصفة التي يتحلى بها أعضاء الوفد الفلسطيني المشارك في تلك المفاوضات، حيث أشارت المعلومات إلى أنه في سلسلة اللقاءات السرية بين بيلين ومقربي أبو مازن، شارك أيضاً مستشار سلام فياض، كما أن «رئيس فريق المحادثات الفلسطيني، أبو علاء، يعرف هذه الورقة ويصادق على مبادئها الأساسية»، بحسب ما نقلت معاريف عن مصدر ضالع في الاتصالات.

تفاصيل الوثيقة

وُضعت الوثيقة، كما تقول معاريف، تحضيراً للقاء أنابوليس تحت عنوان «اتفاق أساس»، وفيها يعرب الفلسطينيون عن استعدادهم للإعلان منذ اليوم عن أن اللاجئين الفلسطينيين لن يسمح لهم بالعودة بجموعهم إلا إلى الدولة الفلسطينية المستقبلية وليس إلى «الأراضي الإسرائيلية»، أي تلك التي احتلتها «إسرائيل» قبل عام 1967. أما اللاجئون الذين يفضلون عدم السكن في الدولة الفلسطينية، فستعالج أمورهم آلية دولية في إطارها تستوعب الدول المختلفة وليس بالذات «إسرائيل» اللاجئين.

حسب الوثيقة، إذا ما تم تبني مثل هذا الترتيب من قبل «إسرائيل»، فإن الفلسطينيين سيعلنون أنهم يتخلون عن مطلبهم التاريخي بشأن تطبيق قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة 194 الذي يفرض على «إسرائيل» المسؤولية عن حل مشكلة اللاجئين، ولكن الوثيقة لم تُشر إلى الآلية التي سيُعلن الفلسطينيون من خلالها عن تنازلهم، كما أنها لم تُحدد طبيعة ونوعية الجهات الفلسطينية التي ستُعلن عن تنازلها عن حق العودة، فهل يكفي مثلاً أن يُعلن عبد ربه ومن معه تنازلهم عن حق العودة حتى يلتزم الفلسطينيون بقرارهم؟

تجدر الإشارة إلى أن حل مشكلة اللاجئين حسب الوثيقة الجديدة يذكّر باقتراح النائب الأول لرئيس الحكومة حاييم رامون الذي قال إن على «إسرائيل» أن توافق، في إطار التسوية الدائمة على استيعاب لاجئين قلائل على أساس إنساني.

وفيما نقلت معاريف عن مصدر ذي صلة بالاتصالات بين بيلين وعبد ربه قوله إن نسخة الاتفاق المكتوب سُلمت قبل نحو عشرة أيام لوزيرة الخارجية الأمريكية ولمحافل سياسية كبيرة في القدس ورام الله، أشارت إلى أن عبد ربه وبيلين رفضا التعقيب على النبأ. ولكن مدير عام مبادرة جنيف، غادي بلتيانسكي، أكد لمعاريف التفاصيل، وأضاف أن «رجال مبادرة جنيف، إسرائيليين وفلسطينيين، مقتنعون بإمكانية الوصول إلى اتفاق في أنابوليس وهذه الورقة هي نوع من الإثبات على ذلك».

وما يثير الاستغراب أيضاً هو أنه بعد نحو أسبوع على نشر نبأ الوثيقة في معاريف، نقلت الصحيفة نفسها، في 10/11/2007، أن تقديرات الشاباك الإسرائيلي تشير إلى أن «مطلب حق العودة للفلسطينيين كفيل بأن يتجسد، وهم كفيلون بأن يكتفوا بموافقة إسرائيلية على إعادة حتى 100 ألف لاجئ في العشر سنوات القادمة»، وأشارت الصحيفة إلى أن هذا التقدير رُفع قبل نحو عشرة أيام، أي قبل أيام من نشر خبر الوثيقة، في سياق محفل تفكير من عدة وزارات شارك فيه مندوبو الموساد والشاباك وأمان – الاستخبارات العسكرية ومجلس الأمن القومي ووزارة الخارجية ووزارة العدل.♦