مجلة العودة

الإعلام الإسرائيلي

رأس حربة التحريض للعدوان على قطاع غزة

عباس إسماعيل - بيروت

أدت الأحداث والتطورات الأمنية الأخيرة التي شهدها قطاع غزة والمستوطنات المحيطة به إلى إعادة طرح خيار العملية العسكرية البرية الواسعة ضد القطاع على بساط البحث، ولا سيما في ضوء الضغوط التي بدأ يمارسها اليمين الإسرائيلي من جهة، والمستوطنون في المستوطنات التي تتعرض للقصف الصاروخي من جهة ثانية، فضلاً عن فشل الجيش الإسرائيلي في وضع حد لعمليات المقاومة الفلسطينية المنطلقة من القطاع.

كان لافتاً في هذا المجال الدور التحريضي والتجييشي الذي تلعبه وسائل الإعلام الإسرائيلية على محورين في كل ما يتعلق بطريقة التعامل مع التحدي الذي تفرضه غزة أمام كل مستويات القرار في «إسرائيل».

المحور الأول تمثل في دعوة شبه جامعة شهدتها الصحف الإسرائيلية، تحث الجيش الإسرائيلي والمستوى السياسي على ضرورة وضع حد لحال التردد والتخبط والعجز التي ميّزت الأداء الإسرائيلي مقابل معضلة صواريخ القسام، وذلك من خلال القيام بعملية عدوانية واسعة النطاق مع ضرورة مراعاة جوانب الخلل والفشل التي ظهرت خلال عدوان تموز 2006 على لبنان، ولا سيما لجهة تحديد واضح للأهداف، ورسم مسار سياسي للخروج من الحملة العسكرية تجنباً للغرق المستقبلي في مستنقع غزة؛ والمثال الأبرز على ذلك ما دعت إليه صحيفة هآرتس في افتتاحيتها (11/2/2008) بقولها إنه «إذا لم تنجح العمليات العسكرية المحدودة التي تقوم بها إسرائيل في محاولة منها لوقف إطلاق صواريخ القسام، وإذا لم تنجح الدول المعتدلة، وعلى رأسها مصر والأردن، في كبح جماح حماس، فلن يكون هناك من خيار أمام إسرائيل سوى الخروج في عملية عسكرية واسعة النطاق». وكذلك دعوة معلق الشؤون العسكرية في صحيفة يديعوت أحرونوت أليكس فيشمان، (10/2/2008) إلى ضرورة اللجوء إلى عمليات اغتيال تطال قادة حماس، فضلاً عن قول المراسل العسكري لصحيفة معاريف، عمير ربابورت، (12/2/2008) إنه «في ظل غياب حل سحري، يتبلور على نحو متزايد الاعتراف بأنه ستكون عملية برية واسعة في قطاع غزة، عندما تسمح حالة الطقس بذلك وتستكمل الاستعدادات العسكرية. وستحتاج العملية إلى تجنيد واسع للاحتياط وستستغرق وقتاً طويلاً وسيُدفع ثمن دموي باهظ إلى أن يكون ممكناً وقفها على نحو شبه تام. هذا يبدو سيئاً، ولكن مثلما يبدو الوضع في هذه المرحلة لن يكون أمام القيادة السياسية مفرّ سوى القيام بمثل هذه الخطوة».

المحور الثاني يتمثل في التسريبات التي نقلها العديد من المعلقين الإسرائيليين، ومفادها أن قرار العدوان البري الواسع على القطاع قد اتُّخذ، وأهدافه التكتيكية والاستراتيجية قد تحددت، وأن ساعة الصفر رهن بتوافر بعض الظروف الميدانية والسياسية التي تضمن نجاح العدوان وتحقيقه لأهدافه. وهو ما أشار إليه المراسل العسكري لصحيفة هآرتس عاموس هرئل والمعلق الأمني في يديعوت أحرونوت رون بن يشاي، (12/2/2008) الذي كشف عن أن «المستوى السياسي قرر شن حملة عسكرية واسعة النطاق في قطاع غزة. القرار المبدئي بشن الحملة العسكرية اتُّخذ قبل نشر تقرير فينوغراد. لكن السرية ترمي إلى الاحتفاظ بعامل المفاجأة قدر الإمكان».

وتطرق بن يشاي إلى أهداف العدوان المرتقب على القطاع، على المستوى التكتيكي والاستراتيجي.

على المستوى التكتيكي: «1- إيجاد وضع من حرية العمل العملانية وجمع المعلومات الاستخبارية لصالح الجيش الإسرائيلي والشاباك في كل أرجاء القطاع وبالسرعة الممكنة. هذا شرط أساسي وضروري لتحقيق الأهداف الأُخرى؛ 2- تقليص جوهري في عمليات إطلاق الصواريخ والقذائف بالسرعة الممكنة؛ 3- تدمير غالبية البنى التحتية العسكرية، مستودعات الوسائل القتالية ووسائل إنتاجها. ولا يتعلق الأمر بالبنى التحتية لحماس فقط، بل أيضاً بالتنظيمات الأُخرى وبعائلات الجريمة؛ 4- سد محور فيلادلفي بشكل يقلص على الأقل 60% من عمليات التهريب إلى القطاع؛ 5- الامتناع قدر الإمكان عن المسّ بالمدنيين الفلسطينيين غير الضالعين بالقتال ومنع حصول أزمة إنسانية».

أما الأهداف الاستراتيجية فهي: «1- طرد حماس من السلطة وإقامة سلطة فلسطينية مستقرة في قطاع غزة، تحت إشراف ومساعدة دولية؛ 2- تجريد القطاع من السلاح، ومن البنى التحتية لتصنيع مثل هذا السلاح؛ 3- حراسة وإشراف إسرائيلي فعال لسنين طويلة على معابر القطاع، تشمل فيلادلفي».

هذا النهج يمكن وضعه ضمن جملة من السياقات، منها ما قد يكون هادفاً إلى التهويل على حركة حماس وشن حملة نفسية عليها لردعها مسبقاً عن ممارسة نشاطها العسكري أو لتأليب الشارع الفلسطيني عليها كي يتحرك بهدف تجنيب القطاع الدمار والخراب؛ ومنها ما قد يكون هادفاً إلى الضغط على المستويين السياسي والعسكري معاً، أو على انفراد، ومن ثم إحراجه أمام الرأي العام الإسرائيلي بما يدفعه إلى القيام بمغامرة عدوانية جديدة امتنع عنها حتى الآن لخشيتها من عدم نجاحها ومن تداعيات فشلها؛ والسياق الثالث الممكن والمعقول لهذه الحملة الإعلامية يتمثل في أنها تعبير دقيق وصادق عن حقيقة القرار المُتخذ من قبل المستوى السياسي والعسكري. وأياً تكن السياقات لهذه الحملة، فإن الهدف المرجو منها واحد، ضرب حماس وفصائل المقاومة في القطاع، وتوظيف ذلك على الصعيد السياسي.♦