مجلة العودة

زيارة تاريخية باللغة العبرية

عباس إسماعيل/ بيروت

لم يُخيّب الرئيس الأميركي جورج بوش، آمال الداعين إلى عدم الإفراط والمبالغة في التعويل على زيارته السياسية- الدينية إلى «إسرائيل» ومناطق السلطة الفلسطينية، لجهة احتمالات حصول انفراج في حل القضايا العالقة والشائكة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، حيث لم تحمل مواقفه التي أدلى بها في أعقاب لقاءاته مع المسؤولين الإسرائيليين والفلسطينيين أي جديد يُذكر من شأنه حلحلة العقد المستعصية. وفي المقابل، كانت الخيبة من نصيب أولئك الذين حاولوا الإيحاء مسبقاً، ثم الإقرار لاحقاً، بتاريخية هذه الزيارة، ولا سيما من الأوساط الفلسطينية، التي أعطت الأولوية كالعادة للشكل على حساب المضمون.

لا شك في أن الشريكين الإسرائيلي والفلسطيني في عملية التسوية، لم يكونا شريكين في تقاسم غنيمة الخيبة من نتائج زيارة بوش، وهو ما يظهر جلياً من خلال المرور السريع والمقتضب على المواقف التي تمخضت عنها الزيارة، والرصيد الفعلي لهذه المواقف في حساب الطرفين. ويمكن القول إنه عدا تكرار مواقفه القديمة والمعروفة لجهة ضرورة قيام دولتين لشعبين، وتأكيده على «يهودية إسرائيل» مقابل قيام الدولة الفلسطينية ضمن حدود أراضي عام 1967 مع تعديل «طفيف» للحدود يضمن بقاء الكتل

الاستيطانية اليهودية ضمن أراضي الدولة اليهودية، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وضرورة التواصل الإقليمي بين أراضي الدولة الفلسطينية العتيدة، فإن الجديد المهم الذي صرّح به بوش، يتعلق تحديداً بمحورين اثنين؛ الأول استراتيجي ومُعلن، والثاني أمني ومُبطن، وكلا المحورين يأخذان من الحق الفلسطيني، ويُعززان المصالح الإسرائيلية.

في المحور الأول، أشار بوش إلى مسألتين أساسيتين: الأولى تتعلق بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى الأراضي الفلسطينية التي احتُلت عام 1948، عندما أشار إلى ضرورة التنازل عن هذا الحق من خلال الحديث عن وجوب إيجاد آليات مناسبة للتعويض على اللاجئين، ما يعني عملياً إعطاءه إشارة الموافقة على تصفية حق العودة والعمل على توطين اللاجئين الفلسطينيين حيث هم. وهذا الموقف يُشكل في الحقيقة الترجمة العملية للإقرار بيهودية الدولة العبرية، على اعتبار أن ضمان الطابع اليهودي لـ«إسرائيل» يتطلب تأمين أغلبية يهودية، الأمر الذي يتعذر حصوله دون إلغاء حق عودة اللاجئين الفلسطينيين على الأقل. والمسألة الثانية تتعلق بضرورة توافر حدود آمنة لـ«إسرائيل» بعد قيام الدولة الفلسطينية الموعودة، ما يعني صراحة جملة من القيود والالتزامات الأمنية المسبقة من قبل الدولة الفلسطينية العتيدة وعليها، الأمر الذي يسلبها كل المقومات الأمنية للدولة وعناصر قوتها، ويحولها إلى «دولة شرطي» تحمي أمن «العدو- الجار» من جهة، و«دولة مفتوحة» يُسمح فيها للجيش الإسرائيلي بالتصرف وفقاً للمصالح الأمنية الإسرائيلية، وهذا ما أكده صراحة وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك، خلال لقائه مع بوش.

بيد أن الأمر لا يقتصر على هذه المسألة فقط، التي قد يكون من المبكر بحثها على أساس أنها ترتبط بمرحلة ما بعد الدولة، ذلك أن «كمبيالة» هذه الدولة التي أعطاها بوش للسلطة الفلسطينية مشروطة بتوفير الجانب الفلسطيني رصيداً أقل ما يُقال فيه أنه يؤدي إلى تدمير الذات، وذلك عندما أكد بوش أن الدولة الفلسطينية لن تقوم قبل «محاربة الإرهاب» وفقاً لـ«خارطة الطريق»، وأن إنهاء الاحتلال الإسرائيلي مشروط بتنفيذ هذه المهمة، والمقصود فيها طبعاً القضاء على كل أشكال المقاومة الفلسطينية، وبيد فلسطينية، وهو أمر واضح التداعيات والخلفيات والأهداف. ومن نافل القول أن هذا المطلب يسير عكس المنطق الإنساني، إذ إنه يريد معالجة النتيجة (المقاومة) قبل إزالة السبب (الاحتلال). وفي الإجمال يمكن القول إن هاتين المسألتين تطغيان على كل المواقف الأخرى لبوش، لأن فيهما محاولة لتجريد الفلسطينيين من أهم نقاط قوتهم: حق العودة وحق المقاومة، مع ما لهذين الحقَّين من دلالات متعددة المستويات.

في المقابل، وفي المحور الأمني المباشر، أشار العديد من التقارير الإعلامية الإسرائيلية، والمصادر السياسية إلى أن بوش، ترك الاسرائيليين يفهمون، صراحة أو ضمناً، أن إدارته ستدعم العدوان العسكري الإسرائيلي ضد قطاع غزة من دون علاقة بالمفاوضات مع السلطة الفلسطينية. وبحسب المحافل الإعلامية الإسرائيلية، أزالت زيارة بوش «المخاوف» من معارضة أمريكية للعدوان على غزة، وأكدت أن «أمريكا لن تكون عقبة. وأمريكا لن تكون ذريعة»، ما يعني بحسب يديعوت أحرونوت أن «بوش قد يعطي «ضوءاً أخضر» لعملية واسعة لإحباط صواريخ القسام وتعاظم قوة حماس في القطاع».

زيارة بوش، تاريخية فعلاً، ولكن باللغة العبرية.