مجلة العودة

قلق إسرائيلي من تراجع الهجرة ومن الهجرة السلبية

قلق إسرائيلي من تراجع الهجرة

ومن الهجرة السلبية

 

  عباس إسماعيل/ بيروت

 

 طُلب ذات مرة من ديفيد بن غوريون، أول رئيس حكومة إسرائيلي، تعريف الصهيونية بكلمة واحدة، فاختصرها بكلمة «الهجرة»، في دلالة واضحة على الدور المركزي والحاسم الذي تؤديه الهجرة اليهودية من شتى أصقاع العالم إلى فلسطين. وعليه، عندما تكون الهجرة في خطر، تكون الصهيونية ومشروعها في خطر، ومن هنا يأتي القلق الإسرائيلي المتزايد جراء ما تُظهره المعطيات حول الهجرة، أعدادها ومستوياتها.

هذا الموضوع، شغل ويشغل حيزاً هاماً في الفضاء الإعلامي الإسرائيلي، حيث أبرزت العديد من الصحف آخر المعطيات ذات الصلة ومخاطرها. وهكذا، على سبيل المثال، توقفت صحيفة معاريف، هذا الشهر، عند ما اعتبرته «خبرين مثيرين للقلق وذَوي أساس واحد»، وهما: يهود الشتات لا يهاجرون إلى «إسرائيل»، والشعب اليهودي يفقد أكثر فأكثر أجزاء كبيرة منهم. الخبر الأول أفاد، حسب معطيات مكتب الإحصاء المركزي، أنه في عام 2007 وصل إلى «إسرائيل» 18.129 مهاجراً فقط، هو العدد الأدنى منذ عام 1988.

أما الخبر الآخر، فتحدث عن مبادرة تتبلور في مكتب رئيس الحكومة إيهود أولمرت، لتعزيز صلة وعلاقة يهود العالم مع «إسرائيل»، أفادت بالمعطيات التالية: 70% من يهود الولايات المتحدة لم يكونوا أبداً في «إسرائيل» ولا يعتزمون زيارتها؛ 50% من يهود الولايات المتحدة متزوجون زواجاً مختلطاً؛ 50% من الشباب اليهودي هناك لا يهمهم إذا اختفت «إسرائيل» من الوجود، وأقل من 20% من يهود رابطة الشعوب يتعرضون لمضامين يهودية. وعززت هآرتس هذه الأرقام بدراسة أفادت بأنّ 87% من الشباب اليهودي في الاتحاد السوفياتي السابق مهتمون بالهجرة من دولهم، ولكن فقط 36% منهم يرون في «إسرائيل» أرض الميعاد المفضلة.

بحسب معاريف، من الصعب على المرء أن يكون متفائلاً في موضوع الهجرة. ذلك أن ثمة مسلّمة تحظى بإسناد تاريخي ثابت، تفيد بأنه في معظم الهجرات إلى فلسطين، من نهاية القرن التاسع عشر، جاءت، بحسب معاريف، بسبب دوافع سلبية في المنفى (ملاحقات، مظاهر اللاسامية، الحروب، الوضع الاقتصادي الصعب)، وبقدر أقل بكثير بسبب قوة جذب هذه البلاد. لكن حتى بعد أن نشأت حالات الضائقة والخطر، فإنهم لم يتوجهوا إلى «بلاد صهيون والقدس» التي صلوا لها وتاقوا لها طوال أيام حياتهم. فقد فضلت الأغلبية الهجرة إلى بلدان أخرى.

وتوقفت الصحيفة عند التآكل المتزايد لقوة الجذب من قبل «إسرائيل»، وتُحذر من أن الولايات المتحدة ليست، وعلى ما يبدو أيضاً لن تكون، طاقة كامنة لهجرة كبرى (فقط نحو 2600 هاجروا من هناك في عام 2007)، والأمر ذاته ينطبق على كل الدول الغربية الأخرى. وحتى يهود الاتحاد السوفييتي سابقاً، الذين اعتُبروا طاقة كامنة كبيرة للتعزيز الديموغرافي، كفوا عن الهجرة. فقد استُنفدت هذه الطاقة الكامنة. فقط نحو 6600 من كل هذه البلدان هاجروا في عام 2007.

وتحاول الصحيفة الوقوف على أسباب هذه الظاهرة، فتشير إلى تحسن الوضع الاقتصادي في الدول التي تأتي منها الهجرة، وإلى أن صلة اليهود الذين بقوا هناك بـ«إسرائيل» وباليهودية واهنة، هذا إذا كانت موجودة أصلاً؛ فضلاً عن أن محافل يهودية عالمية ممن تملك الوسائل والإمكانات تعمل هناك لتثبيت الجاليات وتعزيز اليهودية، ولا لتشجيع الهجرة؛ وترى الصحيفة أن قوة جذب «إسرائيل» لم تبدد تماماً فحسب، بل إنها اليوم دولة من الخطر العيش فيها وبات وجودها موضع شك.

ولفتت الصحيفة إلى أن «إسرائيل» التي كانت تعتبر ضمانة لسلامة يهود المنفى وأمنهم، أصبحت اليوم، كما يعتقد الكثير من اليهود في الولايات المتحدة، أكثر من يحتاج إلى المنفى اليوم، ليس فقط من أجل الدعم السياسي والمالي والمعنوي، بل كمكان لجوء، إذا ما حدثت لها كارثة.

في السياق ذاته، توقفت هآرتس (26/2/2008) عند ظاهرة غياب الجذور التي تربط إسرائيليي الخارج بدولتهم، فقالت إنه ظهر في العقود الأخيرة في أوروبا وأمريكا يهود من طراز جديد: إسرائيليون هاجروا من البلاد. فبعد 60 عاماً من إقامة الدولة، ينمو سكان «اسرائيل»، إلا أن عدد الإسرائيليين في الخارج في ازدياد مستمر ومتواصل. فوفقاً لتقدير مجلس الاستيعاب يعيش في أرجاء العالم اليوم 700 ألف إسرائيلي سابق مع أولادهم، مع ذلك يذكر أن هذا العدد يشمل أيضاً 60 ألف مهاجر كانوا قد أقاموا في البلاد فترة قصيرة وهاجروا منها ثانية.♦