مجلة العودة

وثيقة: «دولة إسرائيل ـ سياسة ديموغرافية قومية»دلالات «يهودية الدولة» على حق العودة وفلسطينيي 48

دلالات «يهودية الدولة» على حق العودة وفلسطينيي 48

عباس إسماعيل/ بيروت

عكَس إصرار رئيس الحكومة الإسرائيلية إيهود أولمرت، على تأكيد «يهودية الدولة» في مؤتمر أنابوليس، وعلى مسمع القادة العرب، حرصاً إسرائيلياً قديماً- جديداً، على تثبيت وتكريس الطابع اليهودي «للدولة» بما لهذا الأمر من دلالات سياسية ودينية وعملية. ويأتي هذا التشديد في سياق الزخم الذي شهدته في الأسابيع الأخيرة الماضية حملة الدعوة إلى ضرورة الاعتراف بيهودية الدولة من قبل العالم العربي بشكل عام، والسلطة الفلسطينية بشكل خاص، وهو ما يثير علامات استفهام كثيرة عن هذا الإصرار على الرغم أن الادعاء الشائع بين الأوساط الإسرائيلية كافة يشير إلى أن الاعتراف بيهودية الدولة مُكرّس بنص قرارات الأمم المتحدة، ولا سيما قرار التقسيم الذي صدر في عام 1947.

مضاعفات الاقتراح

ثمة دلالات ومضاعفات عديدة لشرعنة مصطلح «يهودية الدولة»، وهي دلالات في غاية الأهمية، وربما أهمها هو موجبات هذا التعريف الذي يجعل الجميع ملزماً بالاعتراف بضرورة الحفاظ على الواقع الذي يؤمن ديمومة الطابع اليهودي لـ«دولة إسرائيل» واستمراره، وهي ضرورة تعني حكماً التنازل النهائي عن حق عودة الشعب الفلسطيني إلى أرضه التي احتُلت عام 1948، على اعتبار أن عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم ستقوّض أُسس الطابع اليهودي للدولة ودعائمه من خلال تلاشي الأغلبية اليهودية ضمن أراضي لـ48 واضمحلالها، لتصبح «إسرائيل» دولة ثنائية القومية في أحسن تقدير. من هنا يأتي الإصرار والإجماع الإسرائيلي على ضرورة أن يكون الاعتراف بـ«إسرائيل» دولةً يهودية، شرطاً لازماً في أي تسوية أو اتفاقية سلام مع الفلسطينيين، لأن الاعتراف الفلسطيني بيهودية الدولة يعني ضمناً الاعتراف باستحالة تطبيق حق العودة، لأنه لا يستوي الشيء ونقيضه.

بيد أن خطورة الاعتراف بيهودية الدولة لا تقف فقط عند حدّ التصدي لحق العودة وإجهاضه، وخاصة أن السلطات الإسرائيلية تستطيع، بحكم الأمر الواقع والظروف السائدة إقليمياً ودولياً، أن تحول دون تنفيذه، سواء عللت ذلك بتفسيرها الخاص للقانون الدولي بشكل عام وللقرار 194 بشكل خاص، أو بالظروف السياسية والأمنية المعقدة، أو لتناقض ذلك مع الإقرار الدولي بضرورة منح اليهود وطناً قومياً في فلسطين. وعليه، فإن القضية الأكثر خطورة التي تستدعي اهتماماً وجهداً عربياً وفلسطينياً، هو النقاش السائد داخل «إسرائيل» في كيفية التوفيق بين يهودية الدولة من جهة، ووجود «أقلية فلسطينية» معتبرة من فلسطينيي 48 الذين يحملون المواطنة الإسرائيلية، وهو النقاش الذي يُصطلح على تسميته في الدوائر الإسرائيلية الخطر الديموغرافي، أو المارد الديموغرافي أو حتى القنبلة الديموغرافية الموقوتة، في إشارة إلى فلسطينيي 48 وما يمثله حضورهم وتزايدهم الطبيعي من خطر على اللوحة اليهودية التي تحاول مؤسسات وهيئات الحركة الصهيونية مجتمعة وعلى اختلاف أنواعها، رسمها في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1948.

وعليه، كان لافتاً في الآونة الأخيرة تزايد الحديث عن خطورة البعد الديمغرافي لفلسطينيي 48 على الطابع اليهودي للدولة، وضرورة إيجاد السبل التي تتيح التخلص من هذا «المارد» في إطار التسوية مع السلطة الفلسطينية. فإذا كان ثمة من يُفكر أو يعمل على الساحة الفلسطينية من أجل إيجاد الآليات والاتفاقات الممكنة لعودة أكبر عدد ممكن من اللاجئين الفلسطينيين إلى أرضهم، فإن دوائر القرار الإسرائيلية تفكر في كيفية التخلص من أكبر عدد ممكن من فلسطينيي 48، تارة عبر اقتراحات تبادل الأراضي، وتارة أخرى عبر الحديث عن حل الدولتين، اليهودية والعربية، والذي يتيح، بحسب وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيفي ليفني، لفلسطينيي 48 تحقيق أمانيهم وأحلامهم القومية داخل الدولة الفلسطينية، في دعوة مبطنة إلى ضرورة انتقالهم إلى الدولة الفلسطينية العتيدة.

ليس جديداً

لكن يُخطئ من يظن أن المسعى الإسرائيلي لتكريس يهودية الدولة، من خلال التخلص من أكبر عدد ممكن من فلسطينيي 48، يستند حصراً إلى جهود السلام وإلى نتائج المفاوضات مع الفلسطينيين، ذلك أن الهاجس الذي تعيشه الأوساط الإسرائيلية يجعلها دائمة البحث عن خيارات تتيح على الأقل الحدّ من خطورة «المارد الديموغرافي» والسيطرة عليه، إذا لم يكن في الإمكان التخلص منه، وخاصة أن الظروف الدولية والإقليمية الحالية، إضافة إلى موازين القوى، والتغيرات التي طرأت على صعيد مستوى الوعي العربي والفلسطيني لأبعاد الصراع، تجعل من شبه المستحيل تكرار عمليات الطرد والإبعاد ومشاريع الترانسفير بحق الفلسطينيين التي استُخدمت وطُبقت في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي. من هنا تأتي الجهود الإسرائيلية للحفاظ على ما تعتبره «توازناً ديموغرافياً مقبولاً»، بمعنى التوازن الذي يكفل ويضمن الطابع اليهودي للدولة، وصولاً إلى تحديد النسبة المطلوب تأمينها يهودياً، التي حُددت وفقاً لمعادلة 80% من اليهود مقابل 20% من العرب داخل «إسرائيل»، وهو ما كُشف النقاب عنه في صحيفة معاريف بتاريخ 7/12/ 2007، من خلال الحديث عن إعداد ديوان رئيس الحكومة الإسرائيلية (شعبة تخطيط السياسات، التي كانت في السابق جزءاً من مجلس الأمن القومي) وثيقة تحمل عنوان: «دولة إسرائيل ـ سياسة ديموغرافية قومية»، وتتضمن عنواناً ثانوياً: «تقدير وضع وتوصيات أولية». وهي وثيقة يعرف بها قليلون جداً، وهي تعكس قلقاً متزايداً في «إسرائيل» من «المارد الديموغرافي» بحسب الصحيفة. الوثيقة التي أُعدت بناء على طلب رئيس الحكومة، تنشغل بهذا الأمر تحديداً.

في الصفحة المقابلة نورد ترجمة للوثيقة التي أوردها في صحيفة معاريف الصحفي الإسرائيلي بن كسبيت في مقاله بتاريخ 7/12/2007

وثيقة: «دولة إسرائيل ـ سياسة ديموغرافية قومية»

أولاً، عدد اليهود في إسرائيل في عام 2006 هو 5.393 ملايين يهودي، يشكلون 75.8%، مقابل 1.723 مليون غير يهودي، إضافة إلى 309.900 شخص يُعرفون بأنهم «مهاجرو العودة»، أي المهاجرون الجدد من غير اليهود الذين أُدرجوا تحت عنوان «غير اليهود». بكلمات أُخرى: ربع سكان إسرائيل ليسوا يهوداً، ثلاثة أرباع السكان هم من اليهود. هذا واقع صعب.

ما العمل: يتم توسيع تعريف اليهود بحيث يُدرج ضمن هذا التعريف «مهاجرو العودة». هذا الخيار يُحسّن الوضع. الآن يوجد في طرفنا 80%، وفي الطرف الثاني غير اليهود (هذه المرة العرب فقط: مسلمون، دروز، شركس وبدو) 20%. هذا وضع مُحتمل وفرضية العمل هي أنه يتعيّن التطلع للحفاظ عليه.

لكن يتبين أنه يمكن تحسينه أكثر بواسطة مناورة إحصائية إضافية. هذا يظهر من الورقة التالية في الوثيقة التي تحمل عنوان «يهود مُوسّع وغير يهودي من دون سكان القدس الشرقية، 2006». في القدس الشرقية 252.400 عربي من حملة الهويات الزرقاء. يتم إخراجهم من هذه المعادلة وفق منطق سليم. هم ليسوا مواطنين كاملين، وليس لهم حق الاقتراع. في مثل هذا الوضع، عندما يصبح عرب القدس الشرقية في الخارج، والمهاجرون غير اليهود في جانبنا، كما جاء في الوثيقة، يكون لليهود أغلبية 83% مقابل 17% لغير اليهود، وفي «السنوات الثلاث الأخيرة لم يطرأ تغيير جوهري على هذه النسب».

والآن إلى «اتجاهات الخصوبة». هذه الاتجاهات هي التي ستحدّد ما الذي سيحصل في المستقبل. في هذا المجال، شرّح الخبراءُ الوسطَ المسلم فقط، الذي يعتبر رائد الخصوبة الكبير بين العرب. فقسّموه إلى قسمين: «مسلمو خصوبة عام» مقابل «لواء الجنوب». ماذا يعني لواء الجنوب؟ يعني البدو، الذين يتزوجون عدة نساء ويربّون عشرات الأولاد (كل واحد).

إليكم المعطيات: تراجع بارز، وفي اللواء الجنوبي ثمة انخفاض حاد، في معطيات الخصوبة. الخصوبة العامة عند المسلمين: في عام 1999 كانت 4.76%، في العام 2001 كانت 4.7%، وفي العام 2002 كانت 4.71%، في العام 2003 انخفضت إلى 4.5%، وفي عام 2004 واصلت التراجع إلى 4.36%، وفي عام 2005 تراجع دراماتيكي إلى 4.03%. بالإجمال، الخصوبة المسلمة العامة انخفضت في السنوات الأخيرة بنسبة 20% تقريباً، وهذه دراما حقيقية.

في اللواء الجنوبي، تبرز المسألة بشكل أكبر: في عام 1999 كانت الخصوبة هناك 10.05% (مُعطى مُذهل بحد ذاته)، في عام 2001 كانت الخصوبة 9.77%، في عام 2002 كانت 9.1%، في عام 2003 كانت 8.98%، وفي عام 2004 كانت 8.34%، وفي عام 2005 كانت 7.71%، هذا تراجع أكثر دراماتيكية.

الآن، إلى «الولادات على أساس مجموعات السكان الأساسية». هنا تُقسم الأمور على أساس «الناطقين بالعبرية» و«الناطقين بالعربية». توجُّه معدّي الوثيقة، الذي هو فرضية العمل، يفيد بأنه يتعين الوصول إلى وضع تكون فيه الولادات في إسرائيل موزعة بنسبة 80 مقابل 20 في المئة، بين الناطقين العبرية والناطقين بالعربية، بغية المحافظة على الوضع القائم وعدم استمرار زيادة الأقلية العربية غير الصهيونية في داخلنا.

في سنة 1999 كان في إسرائيل 92.571 ولادة من «الناطقين بالعبرية» مقابل 39.365 ولادة للناطقين بالعربية، أي بنسبة 70 مقابل 30 في المئة. هذه النسبة تُعتبر خللاً يتعين إصلاحه. وعليه، جاء في الوثيقة أن «من الضروري الوصول إلى 80% ولادات»، أي إلى 157.460 ولادة كي يصبح التوزيع 80 مقابل 20 في المئة. وبكلمات أُخرى: ينقصنا 64.889 ولادة من الناطقين بالعبرية سنوياً. وهذا التحليل مبني على أساس معطيات العام 1999.

تعالوا الآن نُخرج من المعادلة الولادات في الأحياء العربية بشرقي القدس (وهذا ما فعله معدّو الوثيقة). في هذه الحال تحسن الوضع، أصبح 74 مقابل 26%. ما زال ينقصنا 35.229 ولادة للناطقين بالعبرية من أجل الوصول إلى الهدف المحدد. فلننظر إلى وضع الولادات بعد ست سنوات، في عام 2005. يوجد 105.112 ولادة للناطقين بالعبرية (ارتفاع جميل جداً) مقابل 38.781 ولادة للناطقين باللغة العربية (انخفاض طفيف). ينقصنا 50.012 ولادة من أجل الوصول إلى 80%. وإذا «أخرجنا من المعادلة ولادات شرق القدس»، نبقى بحاجة إلى 20.600 ولادة. هذا في متناول اليد.

لنمضِ قدماً: في عام 2006 تحسن الوضع أكثر. بعد أن نُخرج من المعادلة عرب شرق القدس، ينقصنا فقط 15.820 ولادة للناطقين بالعبرية كي يصبح ميزان الولادات العام 80 مقابل 20 في المئة، الأمر الذي يضمن استمرار الوجود القوي للأغلبية اليهودية الحالية (لكن مع احتساب المهاجرين غير اليهود).

إنه أمر يثير البلبلة! هذا صحيح. لكنه مثير للاهتمام من جهة ثانية. هذا يثبت أن فرضية يورام اتينغر صحيحة. ثمة ميل واضح لانخفاض الخصوبة لدى «الرحم العربي»، وميل واضح لارتفاع الخصوبة اليهودية.

ثمة عنوان في فصل التوصيات: «تقليص الفجوة لسنة 2006». كيف يمكن إغلاق الفجوة (15.820 ولادة). يمكن فعل ذلك وفق التالي: تشجيع الهجرة، تقليص الهجرة المعاكسة، زيادة عدد السكان العائدين، تشجيع على زيادة ولد أو اثنين في العائلات قليلة الأولاد (عند اليهود)، تقليص عدد الأولاد النابع من غياب التعليم عند النساء وخروجهن إلى العمل (عند العرب طبعاً)، تحديد سياسة تجاه العمال الأجانب، تقليص عدد المقيمين الفلسطينيين بشكل غير قانوني داخل الخط الأخضر، وتحديد سياسة جديد تجاه لمّ شمل العائلات (المقصود على ما يبدو سكان القدس الشرقية). أحسنتم.

ثمة مُعطى آخر موجود في هذه الوثيقة: ميزان الهجرة في إسرائيل. يتبين أن هذا الأمر أيضاً يُسهم في ديموغرافيتنا. بين عامي 2003- 2006 كان ميزان الهجرة إيجابياً، وبلغ بالمتوسط 6.381 في السنة. هنا لدينا معطيات إشكالية. الهجرة إلى البلاد أقل من الهجرة منها. خلال هذه السنوات الثلاث هاجر إلى إسرائيل 21.631 يهودياً في كل عام، وهاجر منها 24.800 في كل سنة، أي إن ميزان الهجرة العام يصبح سلبياً. المواطنون العائدون إلى البلاد هم الذين أنقذوا هذا الوضع، حيث يعودون بنسبة 9.550 في السنة، الأمر الذي يحوّل الميزان إلى إيجابي. بالمناسبة، العودة تتعزز سوية مع الوضع الاقتصادي ومع الوضع الأمني المعقول.

كانت هذه الوثيقة. وثيقة مثيرة. تلقي ضوءاً جديداً على الجدل والتوتر بين الوسطين العربي واليهودي في إسرائيل، في مقابل المطلب بالاعتراف بإسرائيل كـ«دولة يهودية» الموضوع أمام أبو مازن كحبة بطاطا ملتهبة. أحمد الطيبي يقول إننا نقوم بإحصاء عدد العرب في إسرائيل في كل صباح. يبدو أنه محق في ذلك. نحن نقوم بإحصاء عدد اليهود أيضاً. العرب والطيبي كسبوا ذلك باستقامة. ♦