مجلة العودة

خليل الخالدي: حق العودة حق مقدس لا يملك أهل الأرض جميعاً من حرماننا منه

عميد الجالية الفلسطينية في اليمن خليل الخالدي:
حق العودة حق مقدس لا يملك أهل الأرض جميعاً من حرماننا منه

محمد أبو مصطفى/ اليمن

إن الحديث عن الذكريات في فلسطين هو حديث ذات حرقة ومرارة وشجون، والحديث عن النكبة يفتح بوّابة الآهات والأنين وينكأ الجراح والآلام الدفينة، وعندما يعيش شاب في السادسة عشرة من عمره في بلدته عاقر - قضاء الرملة أحداث النكبة والنزوح والتشريد ثم يرويها وهو في السادسة والسبعين من العمر، فإن ذلك يكون أصعب بكثير من تلك اللحظات الأخيرة التي فارق فيها مسقط رأسه ومهوى قلبه وكبده والأثير الذي كانت روحه ترفرف فوق أريجه وشذاه.

التقينا عميد الجالية الفلسطينية في اليمن الحاج خليل الخالدي (أبو زياد) ودار الحوار عن أحداث النكبة واغتصاب الوطن.

«العودة»: ما هي البطاقة التعريفية للأخ أبو زياد الخالدي؟

اسمي خليل محمد عيسى الخالدي، ولدت في بلدة عاقر - قضاء الرملة في 28/ 12/1932، وأكملت المرحلة الابتدائية في البلدة ثم التحقت بالصف الأول الثانوي بمدينة الرملة لمدّة شهر تقريباً، ثم جاءت أحداث التصادمات بين أهل فلسطين وعصابات الصهاينة المحتلين ثم المعارك فالنزوح.

«العودة»: ما هي أهم ذكرياتك الخاصة قبل حدوث النكبة؟

ذكرياتي كثيرة جداً وسأورد بعضها مثل: عندما كانت تأخذني والدتي رحمها الله إلى مدينة يافا لزيارة أخوالها كانت تُلبسني سروالاً واسعاً أسود كأطفال أهل يافا البحريين، وتلفني بشملة وتضع على رأسي طربوشاً، وكنت أكتب لوالدي رحمه الله أسماء رجال الحارة الذين سيحرسون البلدة ليلاً حتى لا تفاجئنا عصابات اليهود بهجوم مباغت، وقد قام الشيخ حسن سلامة القائد المعروف بتعيينه قائداً لبلدتنا نيابة عنه، كما كانت لي ذكريات مع بندقيتنا الفرنسية وذكريات في المدرسة وكنت أقرأ القرآن في الاحتفالات المدرسية.

«العودة»: ما هي أهم معالم قضاء الرملة وبلدة عاقر قبل حدوث النكبة؟

قضاء الرملة هو جزء من لواء اللد، وعدد سكان بلدة عاقر عام 1948 بلغ حوالى خمسة آلاف نسمة، وتشتهر بلدتنا ببيارات البرتقال والبطيخ وكروم العنب والفواكه المختلفة والقمح والذرة.

«العودة»: كيف كانت الأخبار تصل إليكم؟

عن طريق راديو المختار.

«العودة»: هل كان للصهاينة أي وجود في قضاء الرملة قبل النكبة؟

كانت تحيط بنا بعض المستعمرات الصهيونية بالإضافة إلى مطار عاقر الحربي على بعد كيلومترين إلى الجنوب.

«العودة»: هل كانت توجد حاميات بريطانية في بلدتكم؟

كان هناك مستشفى عاقر للقوات البريطانية شمال البلدة، وقد استخدم خلال الحرب العالمية الثانية لإيواء المرضى والجرحى، وبعض الأوروبيين والهنود والسنغاليين.

«العودة»: هل كان يوجد أي سلاح مع المواطنين قبل النكبة؟

قليل جداً، وضعيف جداً وذخيرة قليلة جداً.

«العودة»: صف لنا أحداث النكبة كشاهد على عملية اغتصاب فلسطين؟

هاجم اليهود بلدتنا من ثلاث جهات وتركوا الجهة الرابعة مفتوحة لكي يفسحوا طريق الهرب للناس، وفعلاً دخلوا البلدة وأعملوا فيها نسفاً وحرقاً ودماراً. بعد ذلك جمعوا الناس حول بئر مفتوحة وأخذوا يسنّون السنجات (الحربات) أمام أعينهم حتى تجمدت الدماء في عروق الناس من أطفال ونساء وشيوخ، أما الشباب فعزلوهم إلى جهة أخرى.

«العودة»: هل ارتكب الصهاينة جرائم أثناء احتلالهم بلدتكم؟

لولا رحمة الله بأهل البلدة لكانت هناك مذبحة أشد وأنكى من مذبحة دير ياسين، فقد جاءتهم الأوامر فجأة ورحلوا مسرعين وتركوا الناس مذهولين، ولكن قلة الوعي لدى الناس جعلتهم يرحلون إلى قرية المغار على بعد 3 كيلومترات إلى الجنوب من بلدتنا.

«العودة»: هل تمتلك أية أشياء (مثل مفاتيح أو صور أو وثائق) تدلّّ على حقكم في أرضكم؟

لدينا مستندات لإثبات حقنا وملكيتنا لأرضنا وهي ما يسمى الكوشان ما زلنا نحتفظ بها حتى اليوم.

«العودة»: ما هي أهم العادات في مناسباتكم وخاصة مثل الأعياد والأفراح؟

في الأعراس كانت تتم الخطوبة عن طريق النساء ثم الرجال، ويوم العرس يقوم أهل العريس وأحبابه من المدعوّين بزفته في ساحة وسط البلدة، ثم يرقص الرجال ويدبكون أمام العريس، وقبيل المغرب توضع مائدة للرجال ثم يقومون بتنقيط العريس بالجنيهات الفلسطينية.

أما في الأعياد، فبعد صلاة العيد يقوم الرجال والشباب والأطفال بالطواف على الأرحام، وتصنع النساء الكعك، ويتخلل ذلك زيارة القبور.

«العودة»: اشرح لنا دور المرأة الفلسطينية خلال أحداث النكبة وبعدها؟

كانت النساء تعجن وتخبز وتقدم الخبز إلى المجاهدين الذين يتصدّون لاعتداءات الصهاينة، وفي الأوقات الأخرى كانت النساء تزرع وتحصد وتجني الزيتون والعنب والتين، وكثيراً ما كانت تقوم بطحن القمح والشعير والذرة في الطاحون المصنوع من الحجر.

«العودة»: كيف تمت عملية النزوح، وإلى أيّ الجهات اتجهتم بعد النكبة؟

تمت سيراً على الأقدام، وبعض السكان كان لديهم دواب وكان في البلدة حوالى أربع سيّارات منها شاحنة لآل الخالدي، فاستولى عليها اليهود ونحن نازحون، فاتجه أهل البلدة إلى المغار جنوب غرب البلدة ومكثنا فيها يومين ثم اتجهنا إلى بلدة يَبنا على بعد 7 كيلومترات غرب بلدتنا، ومنها إلى أسدود فالمجدل فبربرة فبيت لاهيا ثم إلى جباليا وصولاً إلى غزة.

«العودة»: ما هو الشعور العام الذي كان يسيطر على الناس بعد النكبة والنزوح إلى الشتات؟

كان الناس يصرخون ويولولون ويستغيثون.. وأتذكرُ جملة قالها رجلٌ صالحٌ اسمه محمد أبوطوق (أصله من يافا ويعمل في بلدة يبنا) قال للناس حديثاً روي عن رسولنا الكريم (صلى الله عليه وسلم): «لو اطلعتم على الغيب لاخترتم الواقع».

«العودة»: كيف تم استيعابكم في أماكن الشتات الجديدة، وما هي المظاهر العامة لحياة اللاجئين؟

توزّع الناس في المخيمات التي أطلقوا عليها اسم «معسكرات»، وهي جباليا والشاطئ والنصيرات والبريج والمغازي ودير البلح، وقد كان نصيبنا في معسكر النصيرات، ثم انتقلنا إلى دير البلح حتى سنة 1967. وكانت المظاهر العامة لحياة اللاجئين الاعتماد الكلي على المساعدات التي كانت تقدّمها جماعة الكويكرز (وهي جمعية أمريكية) ثم تولت الأمم المتحدة أوضاع اللاجئين عندما أنشأوا وكالة غوث اللاجئين الأونروا.

«العودة»: بمناسبة مرور 60 عاماً على نكبة فلسطين واغتصابها وتشريد أهلها، كيف تنظر إلى حق العودة؟

حق العودة حقٌ مقدّس، لا يملك أهل الأرض جميعاً حرماننا منه، ولا نقبل بالتوطين أو التعويض بديلاً من الوطن المقدّس، ولكن لنا حق في التعويض عمّا أصابنا من نكبات وليس نكبة واحدة، مع حق العودة بإذن الله تعالى.

«العودة»: ما هي الرسالة التي تودّ توجيهها إلى أبناء الشعب الفلسطيني في الشتات؟

يقول الله تبارك وتعالى: {ومن يتقِ اللهَ يجعلْ لهُ مخرجاً}، فلن تعود أرضنا إلا وفق منهج الله تعالى والتزام طاعته والجهاد في سبيله على هدى الرسول (صلى الله عليه وسلم)، وقد جرّبنا جميع الاتجاهات والسبل والمحاولات فلم نفلحْ في أيٍّ منها. ولذلك ندعو جميع أبناء الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات إلى التمسك بدين الله ليحققَ لنا النصر والتمكين والعودة الميمونة إلى الأرض المباركة بإذنه تعالى.

«العودة»: منذ 60 عاماً والصهاينة يراوغون ويحتالون لإسقاط حق العودة للاجئين، ماذا تقول بهذا الشأن للذين يتفاوضون مع الصهاينة المحتلين؟

كل المفاوضات التي تجري بين أي طرف فلسطيني مع الصهاينة لإسقاط حق العودة مرفوضة، لأن حق العودة حقٌ مقدّس والمفاوضات بشأنه جريمة لا تغتفر، وهي محرّمة في شرعنا لأننا أصحاب حق واضح وجليّ.

«العودة»: ما هو الدور الذي ترونه مناسباً من الشعب اليمني الأصيل لدعم حق العودة والقضية الفلسطينية؟

على طول السنوات السابقة والشعب اليمني يساند القضية الفلسطينية عموماً وحق العودة خصوصاً، ولذا نشيد بدورهم رئاسة وحكومة وأحزاباً ومؤسسات مجتمعية على ما يقدّمونه للشعب الفلسطيني، كما نأملُ أن يستمرّ هذا العطاء المتواصل كما عهدناه حتى يتحققَ النصر والتحرير والعودة الحميدة للشعب الفلسطيني إلى وطنه وأرضه.